س 20: لقد انتشرت في المساجد في شهر رمضان ظاهرة البكاء بصوت عالٍ يصل إلى حد الإزعاج، وتجاوز بعض الناس حد الاعتدال، وأصبحت هذه الظاهرة عادة عند بعضهم ألفوها، فهم يتباكون لبكاء الإمام، أو المأمومين من دون تفهم وتدبر، فهل ورد في السنة الحث على التباكي؟ وما الفرق بين التباكي والخشوع الكاذب؟ هل من توجيه للأئمة المكثرين من البكاء، حيث يُخشى عليهم أن يداخل الرياء أعمالهم، ويزين الشيطان لهم فتختلف النية؟ ج 20: البكاء مسنون عند سماع القرآن، وعند المواعظ والخطب ونحوها، قال -تعالى- { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا } وروى أهل السنن عن عبد الله بن الشخير قال: { رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي، وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء } أخرجه أبو داود 904 وفيه: "... كأزيز الرحى من البكاء -صلى الله عليه وسلم-" ، والنسائي في كتاب الصلاة 1214، والترمذي في سننه 2/ 144، وفي الشمائل -أيضا-. وأخرجه الإمام أحمد 4/25، 26. قال الحافظ النووي: حديث صحيح رواه أبو داود، والترمذي في الشمائل بإسناد صحيح اهـ. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح 2/242، وإسناده قوي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. اهـ. . فإذا حصل البكاء في الصلاة لم تبطل إذا كان من خشية الله، وكذا عند سماع القرآن، حيث إنه يغلب على الإنسان، فلا يستطيع رده، ولكن لا يجوز التكلف في ذلك برفع الصوت عمدًا، كما لا يجوز المباهاة بذلك، وقصد الشهرة بين الناس، فإن ذلك كالرياء الذي يحبط الأعمال، كما ورد في الحديت: { من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به } أخرجه مسلم بهذا اللفظ من حديث ابن عباس 2986، وأخرجه من حديث جندب بلفظ: "من يسمع يسمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به"، 2987. والبخاري في الرقائق 6134، وفيه: "من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به" . . وهكذا لا يحسن البكاء تقليدًا للإمام أو لبعض المأمومين، وإنما يمدح إذا كان من آثار الخشوع، والخوف من الله -تعالى- وقد ورد في الحديث: { اقرءوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا } سبق تخريجه. . والتباكي هو تكلف البكاء ومحاولته دون خشوع غالب دافع عليه، وأما الخشوع الكاذب فهو ترك الحركة، وسكون الأعضاء، دون حضور القلب، ودون تدبر وتفهم للمعاني والحالات. وعلى الأئمة وكذا المأمومين محاولة الإخلاص، وصفاء النية، وإخفاء الأعمال، ليكون ذلك أبعد عن الرياء الذي يحبطها، فإن كثرة البكاء بدون دافع قوي، وتكلف التخشع، ومحاولة تحسين الصوت وترقيقه ليكون مثيرًا للبكاء، ليُعجَب السامعون والمأمومون به، ويكثر القاصدون له، دون أن يكون عن إخلاص أو صدق، هو مما يفسد النية، ويحبط الأعمال، وقد يطلع على ذلك بعض من يسمعه. والله علام الغيوب. |