حكم تخصيص ليلة معينة للختمة كليلة سبع وعشرين أو تسع وعشرين

س 22: نظرًا للجدل الذي يحصل كل عام على موضوع الختمة، نرجو الإفادة، ما الصحيح في هذه المسألة؟ ما حكم تخصيص ليلة معينة للختمة كلَيلة سبع وعشرين، أو تسع وعشرين ؟ ج 22: الدعاء بعد ختم القرآن مشهور عن السلف، ومعمول به عند أكثر الأئمة. قال ابن قدامة في المغني، فصل في ختم القرآن، قال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله -يعني الإمام أحمد - فقلت: أختم القرآن أجعله في الوتر أو في التراويح؟ قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاء بين اثنين، قلت: كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع، وادع بنا ونحن في الصلاة، وأطل القيام، قلت: بما أدعو؟ قال: بما شئت. قال: ففعلت بما أمرني، وهو خلفي يدعو قائمًا، ويرفع يديه. قال حنبل سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءة: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع، قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة قال العباس بن عبد العظيم وكذلك أدركنا الناس بالبصرة وبمكة ويروي أهل المدينة في هذا شيئا، وذكر عن عثمان بن عفان اهـ. وقال النووي في (التبيان، في آداب حملة القرآن): يستحب حضور مجلس ختم القرآن استحبابا مؤكدا! وقد روى الدارمي وابن أبي داود بإسنادهما، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يجعل رجلا يراقب رجلا يقرأ القرآن، فإذا أراد أن يختم أعلم ابن عباس فيشهد ذلك" أخرجه أبو عبيد، فضائل القرآن (ص 48) عن المري عن قتادة، كان بالمدينة رجل يقرأ القرآن من أوله إلى آخره على أصحاب له، فكان ابن عباس يضع عليه الرقباء، فإذا كان عند الختم جاء ابن عباس فشهده". وأخرجه الدارمي (2/559) عن سليمان بن حرب عن صالح المري عن قتادة به بلفظ مختصر مقارب. وأخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن. (ص 99) من طريق أبي عثمان العطار عن صالح المري عن قتادة نحوه. وهذا الأثر ضعيف، لضعف المري، وهو صالح بن بشير بن وادع المري، القاص الزاهد، قال ابن معين: ليس به بأس، وقال مرة ضعيف، وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أبو حاتم: منكر الحديث يكتب حديثه. وقال الجوزجاني: واهي الحديث. . وروى ابن أبي داود -يعني في كتاب المصاحف- بإسنادين صحيحين، عن قتادة قال: كان أنس -رضي الله عنه- إذا ختم القرآن جمع أهله وَدَعَا" هذا الأثر روي من طريقين. أما الأول: فعن قتادة، والآخر عن ثابت ورواية قتادة أخرجها كل من: أبي عبيد في فضائل القرآن ص 48 من طريق عبد الله بن المبارك، عن همام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس بن مالك أنه كان يجمع أهله عند الختم" وأبي بكر بن أبي شيبة في مصنفه 6/128، عن وكيع عن مسعر عن قتادة نحوه. وابن الضريس في فضائل القرآن ص 100 من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع عن مسعر عن قتادة نحوه. والفريابي في فضائل القرآن ص 189 من طريق وكيع عن مسعر عن قتادة نحوه. أما رواية ثابت فأخرجها كل من: الدارمي في سننه 2/559 من طريقين: من طريق صالح المري عن ثابت، قال: "كان أنس بن مالك إذا أشفى على ختم القرآن بالليل بَقَّى منه شيئا حتى يصبح، فيجمع أهله فيختمه معهم" وهذا طريق ضعيف، لضعف صالح المري. ومن طريق جعفر بن سليمان عن ثابت قال: "كان أنس إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فدعا لهم" وهذا طريق صحيح. وأخرج هذه الرواية -أيضا-، ابن الضريس ص 98 من طريق أحمد بن عبد الله بن يونس عن صالح المري عن ثابت عن أنس بن مالك نحوه. وهذا إسناد ضعيف. والطبراني في الكبير 1/242 من طريق خالد بن خداش عن جعفر بن سليمان عن ثابت أن أنس بن مالك... نحوه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/172، ورجاله ثقات اهـ والأثر صحيح. . وروى بأسانيده الصحيحة عن الحكم بن عتيبة قال: أرسل إلي مجاهد و عبدة بن لبابة فقالا: "إنا أرسلنا إليك؛ لأنا أردنا أن نختم القرآن، والدعاء يستجاب عند ختم القرآن، وفي بعض الروايات: وإنه كان يقال: إن الرحمة تنزل عند خاتمة القرآن" أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص 47)، قال حدثنا جرير عن منصور عن الحكم بن عتيبة: كان مجاهد وعبدة بن أبي (لبابة) وناس، يعرضون المصاحف، فلما كان اليوم الذي أرادوا أن يختموا فيه أرسلوا إلي وإلى سلمة، فقالوا: إنا كنا نعرض المصاحف فلما أردنا أن نختم أحببنا أن تشهدوا، لأنه كان يقال: إذا ختم القرآن نزلت الرحمة عند خاتمته، أو حضرت الرحمة عند خاتمته ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين. أما المتن فيبقى الإشكال فيه عند قوله: "لأنه كان يقال: إذا ختم القرآن نزلت الرحمة عند خاتمته، أو حضرت الرحمة عند خاتمته". فهذا الجزء لا يثبت إلا بإخبار وحي فهو من باب العبادات بلا شك والعبادات مبنية على التوقف، ولم يثبت في حديث مرفوع بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل أو قال أو أقر بذلك فيما أعلم، ثم من هو القائل!!؟ وأخرجه بالإسناد والمتن نفسيهما الحافظ بن أبي شيبة في كتاب فضائل القرآن (6/128) 129. والفريابي في فضائل القرآن (ص 189) من طريق الفضيل بن عياض عن منصور عن الحكم به. (رقم 88). ومن طريق ابن أبي شيبة لكن بدون لفظ فقالوا: إنا كنا نعرض المصاحف... إلخ (رقم 89). وأخرجه عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن الحكم قال: " أرسل إلي مجاهد فقال: إنا دعوناك، إنا أردنا أن نختم القرآن. فكان يقال: إن الدعاء مستجاب عند ختم القرآن، ثم دعا بدعوات " رقم (90). وأخرج -أيضا- عن وكيع عن سفيان عن منصور عن الحكم عن مجاهد قيل: قال: "الرحمة تنزل عند ختم القرآن" رقم (87). وأخرجه عن إبراهيم بن العلاء الزبيدي عن بقية عن شعبة عن الحكم بن عتيبة، قال: "بعث إلى مجاهد وعبدة بن أبي لبابة فأتيتهما فقالا: هل تدري لم بعثنا إليك؟! إنا أردنا أن نختم القرآن" رقم 91. وأخرجه عن محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر عن شعبة عن الحكم به رقم 92. وأخرجه ابن الضريس (ص 88، 99، 101) من طريق: عمرو بن مرزوق عن شعبة عن الحكم به. ومن طريق أبي إسرائيل أو غيره، عن منصور عن الحكم به، ومن طريق جرير عن منصور عن الحكم عن به. وأخرجه الدارمي (2/ 560) عن سعيد بن الربيع، عن شعبة عن الحكم، عن مجاهد نحوه. قلت: ولم يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- سوى الحافظ أبي نعيم في حلية الأولياء (7/ 260)، قال: حدثنا بيان بن أحمد بن بيان البرتي، ثنا جعفر بن مجاشع، ثنا حمدون بن عباد، ثنا يحيى بن هاشم عن مسعر عن قتادة عن أنس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عند كل ختمة دعوة مستجابة" . ثم قال الحافظ: لا أعلم رواه عن مسعر غير يحيى ابن هاشم. اهـ. قلت: ويحيى بن هاشم هو: أبو زكريا السمسار. كذبه يحيى بن معين وصالح جزرة. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال العقيلي: كان يضع الحديث على الثقات. وقال ابن عدي: كان ببغداد يضع الحديث ويسرقه، وعد هذا الحديث الذهبي في الميزان من بلايا يحيى، ثم قال: "قال ابن حبان عن يحيى بن هاشم: وهو الذي روى عن مسعر عن قتادة عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عند كل ختمة دعوة مستجابة" إنما هو يزيد الرقاشي عن أنس، ليس من حديث قتادة ولا مسعر اهـ. وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (9/ 390) من طريق أبي رجاء محمد بن حمدويه السنجي المروزي، عن رقاد بن إبراهيم عن أبي عصمة عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لصاحب القرآن عند كل ختمة دعوة مستجابة" ... إلخ. قلت: وساق ابن الجوزي، في العلل "باب ما لخاتم القرآن عند كل ختمة". الحديث بإسناد الخطيب، ثم قال: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويزيد الرقاشي قال فيه أحمد بن حنبل: لا يكتب عنه شيء، قال يحيى: أبو عصمة ليس بشيء ولا يكتب حديثه. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به. اهـ. وأخرج الطبراني في الكبير [8/ 259]، بإسناده من طريق عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم عن العرباض بن سارية. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى صلاة الفريضة فله دعوة مستجابة، ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة" . قال الهيثمي، في مجمع الزوائد (7/172): وفيه عبد الحميد بن سليمان وهو ضعيف. اهـ. وأخرجه الديلمي في الفردوس (3/ 75)، وابن عساكر في تاريخه. وأورد الهيثمي في المجمع (7/162، 163) من حديث جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ القرآن أو جمع القرآن كانت له عند الله دعوة مستجابة، إن شاء عجلها له في الدنيا، وإن شاء ادَّخرَها له في الآخرة" . ثم قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه مقاتل بن دواك دوز فإن كان هو مقاتل بن حيان كما قيل فهو من رجال الصحيح، وإن كان ابن سليمان فهو ضعيف. وبقية رجاله ثقات. قلت: مقاتل هو بن سليمان بشير الأزدي الخرساني، أبو الحسن البلخي نزيل مرو، ويقال له: ابن دَوَال دُور، وقد تحرفت في النسخة المطبوعة من المجمع دواك. بدلا من دوال. قال ابن حجر: كذبوه وهجروه. ورمي بالتجسيم وقال الذهبي: أجمعوا على تركه. . وروى بإسناده الصحيح عن مجاهد قال: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن، يقولون: تنزل الرحمة انظر: الحديث الذي قبله. . ثم قال (المسألة الرابعة): الدعاء مستحب عقب الختم استحبابا مؤكَّدًا. وروى الدارمي بإسناده عن حميد الأعرج قال: "من قرأ القرآن، ثم دعا أمّن على دعائه أربعة آلاف ملك" أخرجه الدارمي في كتاب القرآن 2/ 560 قال: حدثنا عمرو بن حماد، ثنا قزعة بن سويد عن حميد الأعرج به. قلت: وهذا إسناد ضعيف فقزعة بن سويد هو ابن حجير الباهلي أبو محمد البصري ضعفه النسائي، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال الإمام أحمد: مضطرب الحديث ويحيى بن معين: ضعيف. وقال الدارقطني: يغلب عليه الوهم. هذا من ناحية الإسناد، أما المتن فلا يصح إلا بإخبار وحي ولم ينقل عنه، -صلى الله عليه وسلم-، شيء في ذلك على حد علمي. وبالله التوفيق. . وينبغي أن يلح في الدعاء، وأن يدعو بالأمور المهمة، وأن يكثر في ذلك في صلاح المسلمين، وصلاح سلطانهم، وسائر ولاة أمورهم، وقد روى التبيان 231. الحاكم أن ابن المبارك كان إذا ختم كان أكثر دعائه للمسلمين والمؤمنين والمؤمنات. وقد قال نحو ذلك غيره، فيختار الداعي الدعوات الجامعة، ثم ذكر -يرحمه الله- أدعية كثيرة قد لا تكون كلها مأثورة، ثم قال: ويفتح دعاءه ويختمه بقوله: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } إلى آخره، وذكر نحو ذلك في كتابه الأذكار، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع 24\322، عن طائفة من السلف، وله -يرحمه الله- دعاء مطبوع ومحفوظ، ومتداول بين المسلمين ولا أظنه يثبت ذلك عنه. . والله أعلم.