وأما بيع ما في الذمة: فإن كان على من هو عليه: جاز، وذلك بشرط قبض عوضه قبل التفرق، لقوله صلى الله عليه وسلم: { لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تتفرقا، وبينكما شيء } رواه الخمسة رواه أحمد (2 / 139)، واللفظ له، وأبو داود برقم (3354) في البيوع، والنسائي (7 / 282، 283) في البيوع، والترمذي برقم (1242) في البيوع، وابن ماجه برقم (2262)، والدارمي (2 / 259)، والدارقطني (81)، والحاكم (2 / 44)، والبيهقي (5 / 284). وصححه الحاكم، وضعفه الألباني في ضعيف سنن النسائي رقم (309). وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند رقم (6239): إسناده صحيح. وقد تكرر الحديث في المسند مرارا. . وإن كان على غيره لا يصح؛ لأنه غرر. بيع ما في الذمة: قوله: (وأما بيع ما في الذمة فإن كان على من هو عليه جاز... إلخ): صورة ذلك: إذا كان لك في ذمته شاة أو كيس أو عشرون صاعا، فتقول- مثلا- الكيس الذي في ذمتك بخمسين ريالا، أو تقول: بعتك الشاة التي في ذمتك أو الجمل الذي في ذمتك بمائة ريال. فإذا كان البيع على من هو في ذمته جاز، ولكن لا بد من شرط وهو قبض عوضه قبل التفرق؛ حتى لا يكون قد باع دينا بدين، فإذا كانت- مثلا- الشاة التي في ذمته غائبة، واشتريتها بمائة غائبة أصبح دينا بدين، فلا بد أن تسلم العوض قبل التفرق. قوله: ( لقوله صلى الله عليه وسلم: { لا بأس أن تأخذها بسعر يومها } إلخ): هذا الحديث رواه ابن عمر -رضي الله عنه- قال: { كنا نبيع الإبل بالبقيع، فنبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم فسألنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: لا بأس أن تباع بسعر يومها إذا لم يتفرقا وبينهما شيء } سبق تخريجه، ص 34. . فهو يقول مثلا: نبيع البعير بعشرة دنانير، ولكن لا يكون مع صاحبه الذي اشتراه دنانير ذهب فيعطينا قيمة الدنانير دراهم، والدرهم في ذلك الوقت يساوي نصف السدس من الدينار فصرف الدينار اثنا عشر درهما، فإذا باع -مثلا- بعشرة دنانير، فإنه يأخذ بدلها مائة وعشرين درهما، فهذا صرف بعين وذمة، فالعين: الدراهم حاضرة، والذمة الدنانير غائبة، فكأنه يقول: أشتري منك الدنانير التي في ذمتي بدراهم نقدا، ففي ذمتي لك ثمن الشاة أو ثمن البعير عشرة دنانير، وليس عندي إلا دراهم، خذ قيمتها فقيمتها الآن في الأسواق، مثلا قيمة الدينار اثنا عشر، وقيمة العشرة مائة وعشرون، فخذ المائة والعشرين، فهذا جائز. ويمثل أيضا بالجنيه، فإذا كان في ذمته لك جنيه سعودي، وطلبت الجنيه، فقال: ليس عندي جنيه، ولكن عندي ريالات سعودية، فسألتم كم قيمة الجنيه السعودي، فقالوا: قيمته خمسمائة ريال سعودي، فقال: أنا أعطيك صرفه قيمته الآن خمسمائة ريال سعودي. فهنا لم يحصل حضور العوضين، ولكن أحدهما في الذمة والآخر نقدا، فإذا لم تتفرقوا وبينكم شيء؛ فلا بأس. قوله: (وإن كان على غيره لا يصح؛ لأنه غرر): أما إذا كان على غير من هو عليه فلا يصح؛ لأنه من الغرر، فإذا قال- مثلا - عند فلان لي عشرة جنيهات أبيعكها -مثلا- الجنيه بخمسمائة، فهذا بيع فيه غرر؛ لأن صاحبها غائب، ولا يدرى هل هي ثابتة أم لا، وهل هي موجودة عنده أم لا، فمثل هذا من الغرر. ومثال ذلك بالبهائم: إذا كان في ذمة زيد لك شاة، صفتها كذا، وسنها كذا، ولونها كذا، ولكنها بالذمة، فهل يجوز أن أشتريها منك وهي في ذمة زيد؟ الجواب: لا يجوز؛ لأن هذا غرر، فلا يدرى أين هي؟ وهل هي موجودة أم لا؟! ومثل هذا أيضا يقع كثيرا في هذه الأزمنة، فيطلب- مثلا- منحة أرض، فإذا أعطي منحة، وهذه المنحة يعطى لها رقم، ولا يدرى هل هي في الشرق أم في الغرب؟ ولا يدرى أين محلها، ولا يدرى أين مكانها، فهل يجوز أن يبيعها قبل أن يعرف موقعها؟ الجواب: لا يجوز؛ لأن هذا من بيع الغرر. |