القنوت وصفته وموضعه

س 25: ما حكم القنوت وما صفته وموضعه؟ وهل السنة في دعاء القنوت فعله كل ليلة أم يفعله في بعض الليالي؟ وهل يلزم التقيد بالمأثور من الدعاء؟ وهل يدعو بصيغة الجمع أم يتقيد بالصيغة المأثورة؟ وما قولكم في مسألة التغني في الدعاء كهيئة أدائه لقراءة القرآن ؟ ج 25 : المنصوص والمختار عن الإمام أحمد وكثير من العلماء، أن القنوت مسنون في الركعة الأخيرة في الوتر، في جميع السنة، قال في المغني: قال أحمد في رواية المروذي كنت أذهب إلى أنه في النصف من شهر رمضان، ثم إني قلت: هو دعاء وخير، ووجهه ما روي عن أبيّ { أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يوتر، فيقنت قبل الركوع } أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجة في سننه (رقم 1182) قال: حدثنا علي بن ميمون الرقي، ثنا مخلد بن يزيد عن سفيان عن زبيد اليامي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه عن أبي بن كعب به. قلت: ورجال هذا الإسناد رجال الشيخين غير علي بن ميمون، وهو الرقي العطار ثقة. وأخرجه النسائي في سننه في كتاب قيام الليل (رقم 1699). بهذا الإسناد. وفي روايته: "كان يوتر بثلاث يقرأ في الأول بـ" سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى" .. الحديث وفي آخره: "ويقنت قبل الركوع" . وفي السنن الكبرى (في كتاب الوتر 1/448). وفي عمل اليوم والليلة (441) بأسانيد كثيرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى. وللحديث متابعة عند الدارقطني في سننه في كتاب الوتر من طريق فطر بن خليفة المخزومي، عن زبيد عن سعيد، وكذلك: البيهقي في سننه في كتاب الصلاة (3/ 40) من طريق الدارقطني. والمتابعة الأخرى عند البيهقي من طريق مسعر بن كِدَام بن ظهير الهلالي، عن زبيد عن سعيد. وأورد أبو داود هذا الحديث تعليقا في كتاب الصلاة (2/ 135) فقال: روي عن حفص بن غياث عن مسعر عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب، "أن رسول الله قنت في الوتر قبل الركوع" . ورواه عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قنت -يعني في الوتر- قبل الركوع" . اهـ. قلت: وأسنده الدارقطني في سننه، في كتاب الوتر، عن عبد الله بن سليمان بن الأشعث، ثنا المسيب بن وضاح، ثنا عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بثلاث ركعات: يقرأ فيها بـ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } الحديث، وفي نهايته: "وكان يقنت قبل الركوع". وأخرجه البيهقي في سننه 3/39 من طريق الدارقطني، وابن نصر في قيام الليل 313، وفي الباب عن ابن مسعود أن النبي-صلى الله عليه وسلم-: "كان يقنت في الوتر قبل الركوع" ... أخرجه ابن أبي شيبة 2/97، عن يزيد، عن أبان، عن إبراهيم، عن علقمة عن عبد الله به. والدارقطني في كتاب الوتر، من الطريق نفسه، والبيهقي في الكبرى 3/ 41 من طريق يزيد، عن أبان، عن إبراهيم، عن عبد الله، قال: "بِتُّ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنظر كيف يقنت في وتره، فقنت قبل الركوع" الحديث. ومدار هذا الإسناد على أبان بن أبي عياش العبدي. قال أحمد، وابن معين، والنسائي، وأبو حاتم: متروك. وقال الجوزجاني: ساقط. وفي الباب، عن ابن عباس قال: "أوتر النبي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث يقنت فيها قبل الركوع" . أخرجه البيهقي في الكبرى 3/ 41 وفي سنده عطاء بن مسلم، وهو ضعيف. وللحديث شواهد كثيرة تقويه، وهو صحيح. . وعن علي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في آخر وتره: { اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك } أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة 1427، وقال: هشام أقدم شيخ لحماد ، وبلغني عن يحيى بن معين أنه قال: لم يرو عنه غير حماد بن سلمة. والنسائي في سننه في الوتر 1747، وفي الكبرى في الوتر 1/ 452، والترمذي في سننه في الدعوات 3561. وقال أبو عيسى: وهذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حماد بن سلمه اهـ. وابن ماجه في سننه في كتاب إقامة الصلاة 1179. وابن أبي شيبة في مصنفه 6943، ما يقول الرجل في آخر وتره. والإمام أحمد في مسنده 1/96-118- 150، وأبو نصر في الوتر 336، والحاكم في كتاب الوتر 1/449. كلهم من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عمرو الفزاري عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- به. ورجال الإسناد ثقات، رجال الشيخين غير هشام بن عمرو الفزاري ، قال ابن معين: لم يروه غيره وهو ثقة، وقال أبو حاتم: ثقة شيخ قديم. قال الإمام أحمد : ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الحافظ الذهبي.. . و (كان) للدوام، ولأنه وتر، فيشرع فيه القنوت، ولأنه ذكر يشرع في الوتر، فيشرع في جميع السنة، كسائر الأذكار، وقد روي عن أحمد أنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان. واختاره بعض الأصحاب، وهو مذهب مالك والشافعي ومنه يعلم أنه يستحب ترك القنوت أحيانا حتى لا يعتقد العامة وجوبه. وأما الدعاء فيه، فيدعو بما روى الحسن بن علي قال: { علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت "، إلى قوله: "تباركت ربنا وتعاليت" } أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة باب القنوت في الوتر. 1425. وأخرجه النسائي في الوتر 1746. والترمذي في الوتر 464، وقال أبو عيسى: "هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث أبي الحوراء السعدي، واسمه ربيعة بن شيبان، ولا نعرف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في القنوت في الوتر شيئا أحسن من هذا. اهـ. وابن ماجة في سننه في القنوت في الوتر 1178. والدارمي 1/ 311-312. والإمام أحمد في مسنده 1/199، 200. وابن أبي شيبة في مصنفه في قنوت الوتر من الدعاء 5/95 رقم 6889. والمروزي في كتاب الوتر 313. وابن خزيمة 2/ 151، 152. وابن حبان في كتاب الرقائق باب الأدعية (الإحسان) 3/ 225 رقم 945. والطيالسي في مسنده رقم 1179- وابن الجارود في المنتقى باب قنوت الوتر 272. والطبراني في الكبير 3/75- 77، وأبو يعلى الموصلي في مسنده 6/ 171. وأبو نعيم في الحلية 9- 321. والبيهقي في السنن الكبرى في كتاب الصلاة 4/497- 498. والبغوي في شرح السنة 3/128، باب الدعاء في القنوت وغيرهم من طرق عن بُريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء السعدي قال: قال الحسن بن علي -رضي الله عنهما-: "علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في الوتر، اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت" . قلت: وهذا حديث صحيح، وقد صححه جمع من العلماء، منهم النووي، والحافظ ابن حجر وغيرهم. وقال الهيثمي رواه أبو يعلى، وروى أحمد بعضه كلهم من طريق الحسين ورجاله ثقات اهـ. وبما روى علي، وهو قوله: { اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك } إلخ. وبسورتي أبي، الأولى: { اللهم إنا نستعينك ونستهديك } إلخ، والثانية: { اللهم إياك نعبد } أخرجه ابن أبي شيبه في مصنفه باب ما يدعو به في قنوت الفجر 2/106 قال: حدثنا حفص بن غياث عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير، قال: سمعت عمر يقنت في الفجر، يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، ولا نكفرك". ثم قرأ "بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفِد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ". وأخرجه البيهقي من طريق سفيان، قال: حدثنا ابن جريج به. ولفظه مقارب، وفيه زيادة 2/ 210، 211. قلت: وهذا إسناد صحيح لولا عنعنة ابن جريج. لكن الحديث جاء من طريق آخر، فقد أخرجه ابن أبي شيبة 2/106 من طريق ابن أبي ليلى عن عطاء عن عبيد بن عمير نحوه. وابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن الأنصاري الكوفي القاضي أحد الأئمة، قال أحمد: سيئ الحفظ مضطرب الحديث. وقال شعبة: ما رأيت أسوأ من حفظه! وقال القطان: سيئ الحفظ جدًا. وقال ابن معين: ليس بذاك، وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: رديء الحفظ، كثير الوهم اهـ. ومع هذا فابن أبي ليلى لم يتفرد بهذا الحديث. فقد أخرج الحديث البيهقي وصححه من طريق عبدة بن أبي لبابة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه نحوه 2/ 211. وأخرج ابن أبي شيبة 2/106 في مصنفه الحديث، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه فذكره، وأخرج -أيضا- ابن أبي شيبة بسنده أن عليا قنت في الفجر بهاتين السورتين. . حيث كان عمر يقنت بهما، ويزيد بقوله: "اللهم عذب كفرة أهل الكتاب، الذين يصدون عن سبيلك ". ومنه يعلم جواز الزيادة بما يناسب الحال، مع اختيار الأدعية المأثورة الجامعة، لكن لا تنبغي الإطالة الزائدة، التي توقع المأمومين في الملل والضجر، وإذا كان الدعاء يؤمن عليه كان بلفظ الجمع، وقد يفضل لفظ الجمع، ولو دعا الإنسان وحده. وأما التغني والتلحين الذي يخرج الدعاء عن حد كونه دعاء خشوع وإنابة فلا يجوز، فإن المطلوب عند الدعاء انكسار القلب، وإظهار التواضع والخشوع، وذلك أقرب إلى قبول الدعاء. والله أعلم.