وبعد تقبيض الهبة وقبولها لا يحل الرجوع فيها لحديث: { العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه } متفق عليه رواه البخاري رقم (2621) في الهبة، ومسلم رقم (1622) في الهبات. . وفي الحديث الآخر: { لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي لولده } رواه أهل السن رواه أحمد (2 / 182)، وأبو داود رقم (3539) في البيوع والإجارات، والترمذي رقم (2133) في الولاء والهبة، والنسائي (6 / 264)، وابن ماجه (2378)، والبيهقي (6 / 178)، وصححه الألباني في الإرواء (1622، 1624). وهو في شرح الزركشي برقم (2175). . قوله: (وبعد تقبيض الهبة وقبولها لا يحل الرجوع فيها، لحديث: { العائد في هبته ... } الخ): الهبة تلزم بالقبض، فإذا قال مثلا: وهبتك كذا ولم يقبضه جاز له أن يرجع ويقول: لا حق لك فيه، أما إذا أخذ الهبة وقبضها، فحرام على الواهب أن يستردها؛ لهذا الحديث: { العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه } فالكلب وبعض السباع إذا أكل كثيرا أو امتلأ بطنه فإنه يقيء ما في بطنه، ثم بعد ذلك يرجع إلى قيئه ويأكله. فالرسول عليه السلام جعلها مثلا مستبشعا مستقذرا لمن يهب هبة ثم يستردها ولو كانت شيئا يسيرا، يقول قتادة ولا أعلم القيء إلا حراما، يعني: لأنه مستقذر، ولو أكل الإنسان طعاما طيبا شهيا، ثم بعد ذلك وجد ثقلا فتقيأ وأخرجه، فإنه مستقذر؛ فكونه يعيده ويأكله مرة ثانية هذا حرام. قوله: (وفي الحديث الآخر: { لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي لولده } ): وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: { أنت ومالك لأبيك } سيأتي تخريجه قريبا ص 141. فالوالد له أن يتملك من مال أولاده الشيء الذي لا يحتاجون إليه، وكذلك له أن يهب ولده ثم يسترد الهبة، كما له أن يتملك من مال ولده ما لا يضر الولد ولا يحتاجه. واشترطوا في تملك الوالد مال الولد شروطا: الشرط الأول: ألا تتعلق حاجة الولد بذلك المال، فليس له مثلا أن يأخذ سيارته التي لا يستغني عنها، وليس له أن يخرجه من داره التي يسكن فيها، ويقول له مثلا: اسكن في خيمة، أو اسكن في الصحراء. الشرط الثاني: ألا يأخذه من ولد ويعطيه آخر، فلا يأخذ من الكبير ويعطي الصغير؛ لأن عليه أن يعدل بين أولاده، فكونه يعطي هذا من مال هذا يعتبر جورا، ويدخل في حديث: { لا أشهد على جورا } جزء من حديث سبق تخريجه ص 138. . الشرط الثالث: ألا يكون ولده في مرض الموت، فإذا كان في مرض الموت فقد تعلقت به حقوق الورثة، فلا يجوز له أن يأخذ من مال ولده المريض، كما لا يجوز له أن يأخذ وهو مريض، يعني: سواء كان المريض الولد أو الوالد، مرضا مخوفا. |