الوصية من الفقير الذي ليس عنده شيء

وينبغي لمن ليس عنده شيء يحصل فيه إغناء ورثته أن لا يوصي ؛ بل يدع التركة كلها لورثته، كما قال صلى الله عليه وسلم: { إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس } متفق عليه رواه البخاري رقم (2742) في الوصايا، ومسلم رقم (1628) في الوصية. . والخير مطلوب في جميع الأحوال. قوله: (وينبغي لمن ليس عنده شيء يحصل فيه إغناء ورثته أن لا يوصي؛ بل يدع ... إلخ): ينقسم الناس في الأموال إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: قسم فقير وورثته فقراء، ففي هذه الحال الأولى له ألا يوصي؛ بل يترك ماله كله لورثته، فإذا لم يكن عنده إلا هذا البيت الذي يسكنه، أو هذه السيارة التي يركبها، فإنه إذا أوقف البيت أو السيارة ترك ورثته فقراء، فالأولى له في هذه الحال أن يترك ذلك لورثته ولا يتصدق به، لأن الصدقة به أو الوصية به تضر أولاده، وهم أحق بها، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: { إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس } أي: يسألون الناس ويستجدونهم. القسم الثاني: الذي لا وارث له، وماله كله سيجعل في بيت المال، ففي هذه الحال لو أوصى بماله كله أو جعل ماله كله وقفا جاز له ذلك؛ لأنه ما نهي عن ذلك إلا لأجل الورثة، وليس هناك وارث، أو عرف مثلا أن ورثته مستغنون وأن تركته هذه لا تزيدهم ولا تنفعهم؛ جاز له أن يوصي بماله، واستحب للورثة وتأكد في حقهم أن ينفذوا وصيته. القسم الثالث: إذا كان من أوساط الناس، وورثته من أوساط الناس فإن له أن يوصي بالثلث وإن أنقصه إلى الربع فهو أولى، يقول ابن عباس وددت لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { الثلث والثلث كثير } أخرجه البخاري برقم (2743) في الوصايا. فيستحب بعضهم أن يوصي بالربع، وبعضهم بالخمس، وروي عن أبي بكر -رضي الله عنه- أنه أوصى بالخمس، وقال: رضيت لنفسي ما رضي الله تعالى لنفسه، بقوله: { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } الأنفال 41 . ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- { إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في أعمالكم } رواه أحمد (6 / 441) عن أبي الدرداء رضي الله عنه. بمعنى: أن الإنسان له التصرف بالثلث، وليس لورثته أن يمنعوه من الثلث أو أقل من الثلث، وإن زاد على ذلك ولم يكن عليهم ضرر فلا بأس. والوصية بالثلث أو بالخمس أو نحوه، قالوا: إنها لمن ترك خيرا؛ لأن الله تعالى يقول: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ } البقرة:180 وفسر الخير بأنه: المال الكثير. قوله: (والخير مطلوب في جميع الأحوال): فالوصي الذي يجعل له هذا الثلث عليه أن يعدل فيه وأن يحفظه وأن ينميه؛ لأن الوصية إذا كانت في شيء يبقى ويتنامى استمر أجر الموصي، وصار في منزلة الوقف ولم ينقطع، وصار صدقة جارية، وأما إذا انقطع انقطع أجره، فإذا كان له بستان، وقال: أوصي بهذه النخلات تكون فطورا للصوام، أو صدقة على الفقراء؛ فلا يجوز للوصي أن يهملها أو لا يسقيها؛ بل عليه أن يسقيها كما يسقي باقي النخل؛ لأنه أوصى بها وبما يحييها، وكذلك إذا قال: أوصي بهذا البيت أجرته صدقة في رمضان، فالوصي عليه أن يحفظه وأن يصلح ما وهى منه، وما أشبه ذلك، وأن يسعى كذلك في إيجاره وعرضه للإيجار وهكذا.