ويحصل العتق بالقول: وهو لفظ: " العتق " وما في معناه، وبالملك، فمن ملك ذا رحم محرم من النسب عتق عليه، وبالتمثيل بعبده بقطع عضو من أعضائه أو تحريقه، وبالسِّراية؛ لحديث:، من أعتق شركًا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق ما عليه ما عتق ". وفي لفظ: { وإلا قوم عليه، واستُسْعِيَ غير مشقوق عليه } متفق عليه رواه البخاري رقم (2527) في العتق، ومسلم رقم (1503) في العتق. . قوله: (ويحصل العتق: بالقول: وهو لفظ: "العتق" وما في معناه): فإذا قال: قد أعتقت هذا العبد، أو قد حررته، أو هو حر لوجه الله، أو قد أزلت عنه الرق، أو لا ملك لي عليه، أو ليس لي فيه تصرف، أو أخرجته من ملكي، أو ما في معناه حصل بذلك العتق. قوله: (وبالملك، فمن ملك ذا رحم محرم من النسب عتق عليه): يعني: يحصل العتق إذا ملك ذا رحم محرم من النسب، ففي الحديث عن سمرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { من ملك ذا رحم محرم عتق عليه } روواه أبو داود رقم (3949) في العتق، والترمذي رقم (1365) في العتق وابن ماجه رقم (2524) في العتق وهو عند الجميع بلفظ: " من ملك ذا رحم محرم فهو حر، ولأحمد برقم (20128) بلفظ: "فهو عيق" وصححه الألباني في الإرواء رقم (1746)، وانظر تخريجه في شرح الزركشي رقم (3726، 3728). وفي الحديث عن أبي هريرة: { لا يجزي ولد والده؛ إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه } رواه مسلم رقم (1510) في العتق. إذا كان الوالد حرًا والوالد مملوكًا ثم إن الولد ملك مالا فاشترى أباه من الرق، فإن هذا جزاؤه حيث إنه جازاه على حضانته وعلى حفاوته. وقد جاء الحديث بلفظ أعم: { من ملك ذا رحم محرم عتق عليه } بأي شيء يملكه؟ فإذا اشترى أخاه عتق عليه، أو أخته عتقت عليه، أو بنته أو بنت ابنه أو بنت أخيه أو بنت أخته أو ابن أخيه أو ابن أخته؛ أو عمه أو عمته أو خاله أو خالته، يعني: الذين هم محارم له إذا اشترى واحدًا منهم عتق عليه، أو إذا ورثه فإنه يعتق عليه بمجرد الإرث، أو وُهِبَ له يعتق عليه بمجرد الهبة. فالحاصل أنه إذا دخل أحد في ملكه من أقاربه فإنهم يعتقون بمجرد الدخول بخلاف من ليسوا بمحارم، فإذا اشترى بنت عمه أو ابن عمه لم يعتق؛ لأنه ليس من المحارم، كما يحل له نكاح بنت عمه أو بنت خاله أو بنت خالته، فلا يعتق عليه إلا من هو من المحارم. قوله: (وبالتمثيل بعبده، بقطع عضو من أعضائه أو تحريقه): وأيضا يحصل العتق إذا مثل بعبده، فإذا فقأ عينه فكفارته أن يعتقه، أو قطع عضوا ولو إصبعًا، أو جدع أنفه مثلا أو قطع شفته، أو أي عضو من أعضائه الثابتة فإنه ينزع منه ويقال: عتق عليك، كما ورد في الحديث: { من مثل بعبده فقد عتق عليه } لم أجده بهذا اللفظ وورد معناه عند ابن ماجه ولفظه عن سلمة بن روح بن زنباع عن جده أنه قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد خصى غلامًا له فأعتقه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمثلة. رواه ابن ماجه (2679) في الديات، وحسنه الألباني لغيره في صحيح سنن ابن ماجه رقم (2170). وورد كذلك عند أبي داود رقم (5419) في الديات، وابن ماجه رقم (2680) فيه أيضا ما يدل على المعنى السابق ولفظه عند ابن ماجه: " جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صارخًا فقال له رسول الله: "مالك "؟ قال: سيدي رآني أقبل جارية له، فجب مذاكيري، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " علي بالرجل " فطلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اذهب فأنت حر" . الحديث، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (2171). . قد يقال: إن التمثيل هو تشويه الخلقة، فلو مثلا شوه وجهه، سلخ جلدة وجهه مثلا، أو أحرق وجهه حرقًا يبقى أثره؛ فإنه يعتبر أيضًا تمثيلاً فيعتق عليه. قوله: (وبالسِّراية؛ لحديث: { من أعتق شركا له في عبد } إلخ): السِّراية هي: كونه يعتق بعضه ثم يسري إلى باقيه، صورة ذلك إذا كان بينك وبين زيد عبد لك نصفه، فأعتقت نصفك سرى على النصف الذي لزيد، وكيفية السراية أن تشتري نصف زيد وتعتقه، ويلزمك شرعًا إذا كنت ذا مال أن تشتري نصف زيد بقيمته الذي يساويه، لا وكس ولا شطط، ثم تعتق العبد كله، إذا لم يعتقه زيد ألزمناك إذا كان لك مال، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: { من أعتق شركًا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق ما عليه ما عتق } . وقوله صلى الله عليه وسلم: { فأعطي شركاؤه } إلخ): يعني: لو كان شركاؤه كثيرين، أي: كانوا عددًا، فمثلا إذا كان العبد بين أربعة، لكل واحد منهم ربع، فأعتق أحدهم نصيبه، فإنه إذا كان له مال يشتري ربع هذا ويعتقه، وربع هذا وربع هذا، وإذ! امتنعوا ألزموا شرعًا، وإذا زادوا في الثمن منعوا من الزيادة، يعرض على أهل الخبرة كم يساوي هذا العبد، قيمة عدل، لا تَظْلِمون ولا تُظْلَمُون؛ لا تظلمون المعتق ولا تظلمون أصحاب المال، فلا تنقصوهم ولا تزيدوا عليه؛ بل تكون قيمة عدل، فيعطي شركاءه حصصهم لعتق العبد كله. فإن كان لا مال له، هذا الذي أعتق الربع ليس له مال يشتري حصص زملائه، فيبقى العبد مبعضا، أي: بقي ثلاثة الأرباع مملوكًا رقيقًا، وهذا معنى قوله: "وإلا فقد عتق ما عليه ما عتق ". مثلا إذا كان ربعه حرًا فإنه يخدم هذا يومًا وهذا يومًا وهذا يومًا واليوم الرابع لنفسه، يتكسب لنفسه، أو يخدم نفسه، يستخدمه كل واحد منهم بقدر حصته، فإذا كان بين اثنين هذا له نصفه وهذا له ربعه، وربعه عتيق فإنه يخدم هذا يومين وهذا يوما واليوم الرابع لنفسه. قوله: (وفي لفظ: "وإلا قوم عليه، واستسعي غير مشقوق عليه "): هذه رواية أخرى، ومعناه: أنه يقال للذين لم يعتقوا: ثمنوا نصيبكم، فمثلا كل واحد من أصحاب الربع قال: نصيبي بألفين. أنت يا عبد لك الخيار إن أردت أن تشتري نفسك وتكون كالمكاتب وتسعى وتتكسب وتعطي هذا ثم تعطي هذا حتى تحرر نفسك؛ فهو أولى، فإن شق ذلك عليك فإنك تبقى مبعضًا إذا كنت لا تستطيع أن تحرر نفسك، فقوله: (واستسعي) أي: طلب منه أن يشتغل ومكن من الشغل، ومنع سيده أو سادته من استعماله، وقيل له: احترف واشتغل وأدّ إليه كالمكاتب. |