أول شيء يبدأ به الحاج -قبل أن يعقد النية- أن يعزم على أن يدخل في النُّسك الذي يريده، فإذا عزم فإنه يعقد النية ويرفع صوته بالتلبية. فما المنفعة من هذه التلبية؟ ولماذا شرعت عند الإحرام بالعمرة أو بالحج وجُعلت شعارا للحجاج؟ لا شك أن لهذه التلبية منفعة عظيمة؛ ذلك لأنها إجابة لدعوة الله تعالى على لسان إبراهيم -عليه السلام- عندما أمره ربه بهذا النداء بقوله : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ } . رُوي أنه صعد على جبل أبي قبيس فقال : "يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا" . فسمعه من هو في أصلاب الرجال, ومن هو في أرحام النساء, فصاروا يأتون قائلين : لبيك, لبيك. أي : نحن مجيبين لدعوتك, ملبين لطلبك, فلا شك أنها إجابة لنداء الله سبحانه وتعالى. وهذا النداء الذي أمر الله تعالى به, والذي نحن نجيبه بهذه التلبية, لا بد أن يكون له أثر, وهذا الأثر هو أننا نلتزم الإجابة في كل الحالات, ليس في هذه الحالة فقط؛ ذلك لأن الملبي كأنه يعاهد ربه على أن يلتزم بالطاعة مرات متتابعة ولا يخل بها. إذا قال : (لبيك) فمعناها : أنا مجيب لدعوتك, أنا ملازم لطلبك, أنا ملازم لطاعتك, أنا مجيب لك مرة بعد مرة, لا أتخلف عن عبادتك, ولا أتخلف عن طاعتك. هكذا ذكروا أن هذه فائدة التلبية, ومعناها أن الذي يلبي كأنه يلزم نفسه, كأنه يقول: إني ملتزم بطاعتك يا رب دائما؛ وإذا كان كذلك فلا يجوز له أن يتخلف عن هذه الطاعة ولا يتركها إلى المعصية, فلا يرجع إلى المعصية لأنه عاهد ربه بهذه التلبية, وأجاب ربه بهذه التلبية التي فيها الالتزام, فلا يجوز له أن يتخلف عنها فيما بعد ويترك الطاعة ويجعل بدلها معصية فيكون قد كذب في قوله : لبيك, ولم يصدق فيما التزم به. |