40- ومن لقي الله بذنب يجب له به النار -تائبًا غيرَ مُصِرٍّ عليه- فإن الله يتوب عليه، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات قال -تعالى-: { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } [ الشورى: 25 ]. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه". أخرجه مسلم برقم (2703). وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". أخرجه الترمذي برقم (3537)، وابن ماجه برقم (4253)، وأحمد في مسنده (2/132). قال الترمذي: حسن غريب. وحسّنه الألباني كما في صحيح الجامع برقم (1903). وغير ذلك من الأدلة التي فيها أن الله -عز وجل- يعفو عن السيئات لمن تاب وحسنت توبته. . 41- ومن لقيه وقد أُقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته، كما جاء في الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحديث خزيمة بن ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أصاب ذنبًا فأقيم عليه حد ذلك الذنب، فهو كفارته". أخرجه أحمد (5/ 215)، وقد حسَّن إسناده ابن حجر في الفتح (1/ 86)، والألباني في الصحيحة (1755). ولحديث عبادة بن الصامت: "بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا... فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعُوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عذَّبه، وإن شاء عفا عنه". أخرجه البخاري برقم (3892)، ومسلم برقم (1709). . 42- ومن لقيه مُصِرًّا غير تائب من الذنوب التي قد استوجب بها العقوبة؛ فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له قال -تعالى-: { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [ النساء: 116 ]. . وأمر الآخرة إلى الله -تعالى- فقد أخبر الله بأنه يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، وذلك إليه سبحانه وتعالى. فمن لقيه وهو من أهل التوحيد فهو أهلٌ أن يُغفر له، ورد في حديث ابن مسعود { مَن لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار } أخرجه البخاري برقم (1238) في الجنائز، باب: "في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله". عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-. وأخرجه مسلم برقم (93)- 152، في الإيمان، باب: (من مات لا يشرك بالله شيئًا.."، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، واللفظ الذي ذكره الشارح هو لفظ جابر بن عبد الله عند مسلم وليس لفظ عبد الله بن مسعود كما ذكر الشارح. ولكن مع ذلك فإننا لا نجزم لهذا بالجنة، ولهذا بالنار؛ بل هذا ورد وعيده، وهذا ورد وعده، وكلهم تحت مشيئة الله -تعالى- إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ولو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم؛ وذلك لأن أعمالهم مهما كثرت لا تقابل نعمة الله عليهـم ورحمته بهم، حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- { لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمةٍ منه وفضل } أخرجه البخاري برقم (6463) في الرقاق، باب: "القصد والمداومة على العمل"، ومسلم برقم (2816)- 71، 76، في صفات المنافقين، باب: "لن يدخل أحد الجنة بعمله ..."، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. وأخرجه البخاري برقم (6464) في الرقاق، باب: "القصد والمداومة على العمل". ومسلم برقم (2818)- 78، 79، في صفات المنافقين، باب: "لن يدخل أحد الجنة بعمله..."، عن عائشة رضي الله عنها. وأخرجه مسلم برقم (2817) في صفات المنافقين، باب: "لن يدخل أحد الجنة بعمله".. "، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-. . فنحن محتاجون إلى رحمة الله، وأعمالنا تقصر عن أن تكون سببًا مستقلا بنجاتنا، ولكن الله -تعالى- أمر بالعمل الصالح، وأمر بالإكثار من الحسنات، ونهى عن السيئات، وجعل ذلك من أسباب رحمته ودخول جنته، ونهى عن السيئات والمخالفات التي تكون أيضًا سببًا لغضبه وعقابه. أما إذا لقي الله -تعالى- وقد أقيم عليه الحد: فإذا كان تائبًا من ذلك الذنب فإن الحد كفارة. وإذا أقيم عليه الحد، ولكنه لم يعترف ولم يتب، فلا ينفعه، إنما يكون الحد زاجرًا له حتى لا يعود مرة أخرى إلى هذا الذنب، أو زاجرًا لغيره. وقد بيَّن العلماء أن الحدود لا تكون كفارة إلا لمن تاب فمن زنا مثلا وجاء معترفًا وقال: أقيموا عليَّ الحد، كما فعل ماعز والغامدية قصة رجم ماعز والغامدية رواها مسلم برقم (1693، 1694، 1695) عن ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وبريدة -رضي الله عنهم-. فإن ذلك كفارة، وأما من أنكر وشهد عليه الشهود بأنه زنا ورجم بذلك، وهو منكر غير تائب فالحد لا يُطَهِّره، وإنما يمنع غيره من أن يفعلوا كفعله، وهكذا بقية الحدود التي تقام في الدنيا، لا تكون مُكَفِّرَةً إلا لمن تاب من ذلك الذنب، وحسنت توبته. |