[ باب: النفقات للزوجات والأقارب والمماليك والحضانة ] على الإنسان نفقة زوجته وكسوتها ومسكنها بالمعروف بحسب حال الزوج، لقوله تعالى: { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا } الطلاق: 7 . وعلى الإنسان: نفقة أصوله وفروعه الفقراء إذا كان غنيًّا، وكذلك من يرثه بفرض أو تعصيب. وفي الحديث: { للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق } رواه مسلم رواه مسلم رقم (1662) في الأيمان. وإن طلب التزوج زَوَّجَه وجوبًا. وعلى الإنسان أن يقيت بهائمه طعامًا وشرابًا، ولا يكلفها ما يضرها؛ وفي الحديث: { كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته } رواه مسلم رواه مسلم رقم (996) في الزكاة. . [ باب: النفقات للزوجات والأقارب والمماليك والحضانة ] قوله: (على الإنسان نفقة زوجته وكسوتها ومسكنها... إلخ): النفقات يراد بها: الطعام والشراب والكسوة والسكن، وذلك لأنها من تمام الحياة، فالزوج يكلف بنفقة زوجته، قال تعالى: { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } البقرة: 233 المولود له، يعني: الزوج الذي هو أب لذلك الولد، وفي حديث جابر الذي تقدم في الحج قال صلى الله عليه وسلم: { ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف } سبق تخريجه 266. يعني: كل زوجة، فمتى تسلمها زوجها أو بذلت نفسها له، وقال له أهلها: خذها، وجبت عليه نفقتها. ويجب عليه أن ينفق عليها بالمعروف وكذلك كسوتها ومسكنها بحسب حال الزوج، دليل ذلك هذه الآية في سورة الطلاق: { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا } الطلاق: 7 . فقوله: { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ } يعني: ذو جدة وثروة وغنى. وقوله: { مِنْ سَعَتِهِ } يعني: حسب وسعه. وقوله: { وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } يعني: من ضيق عليه رزقه، كما في قوله تعالى: { وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } [الفجر: 16] يعني: ضيقه. وقوله: { فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا } الطلاق: 7 أي: لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. قوله: (ويلزم بالواجب من ذلك إذا طلبت): وقد بين ذلك العلماء فقالوا: إذا طلبت الزوجة النفقة وهي في عصمته وفي منزله فإنه يلزم الزوج بالواجب من ذلك، وهو القوت الذي يسد الفاقة، القوت الضروري والكسوة الضرورية، حتى ولو كان فقيرًا، فإذا عجز عن الكسوة وعجز عن الإطعام فإن لها طلب الفسخ؛ لأنها مضطرة إلى ما تتقوت به فلا تبقى عنده وهو عاجز عن إطعامهًا أو كسوتها؛ لأنها تتعرض للألم. قوله: (وفي حديث جابر الذي رواه مسلم: { ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف } . فإن كان من أهل الثروة، فمعلوم أنه ينفق نفقة أهل السعة، وإن كان من المتوسطين كذلك، وإن كان من الفقراء فعليه نفقة أمثاله. وقد قسموا الزوجين إلى تسعة أقسام: الأول: غنية تحت غني، الثاني: غنية تحت متوسط، الثالث: غنية تحت فقير، الرابع: متوسطة تحت غني، الخامس: متوسطة تحت متوسط، السادس: متوسطة تحت فقير، السابع: فقيرة تحت غني، الثامن: فقيرة تحت متوسط، التاسع: فقيرة تحت فقير. وتختلف الحال باختلاف هذه الأقسام، فمعلوم أنها إذا كانت غنية قد نشأت في بيت ثروة وغنى فإنها تطلب التوسع، ويعطيها الزوج ما طلبته وما اعتادت عليه مع قدرته، وما دون ذلك يكون دونه حتى منزلة الفقيرة تحت فقير. قوله: (وعلى الإنسان: نفقة أصوله وفروعه الفقراء إذا كان غنيا): يلزم بذلك إذا افتقروا ولو بعدوا، فينفق على جدته ولو بعيدة وعلى جده ولو بعيداً، سواء أكان من الأب أم من الأم، فأبو أم أم أمه يجب عليه نفقته إذا افتقر، فينفق على أصوله الذين هم الآباء والأجداد وإن بعدوا، وكذلك الأمهات والجدات وإن بعدن، وعلى فروعه: أولاده وأولاد أولاده ذكورًا وإناثًا ولو بعدوا، ولو بنت بنت بنت أو ابن بنت بنت، ولو لم يكونوا وارثين فإنهم فروعه، فينفق عليهم ماداموا يتصلون به، ودليل ذلك قوله تعالى: { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } البقرة: 233 . قوله: (وكذلك من يرثه بفرض أو تعصيب): يعني: إذا كان الأخ من الأم الذي ترثه ويرثك فقيرًا فإنه يلزم بالنفقة عليه، وكذلك بنت الأخ التي يرثها بتعصيب، وكذلك بنت بنت الأخ وبنت بنت الأخت ونحوها وابن بنت الأخت، ولو كانوا من ذوي الأرحام فهؤلاء ترثهم أنت وإن لم يكونوا يرثوك. أما ذوو الأرحام الخال وابن الخال مثلا وبنت العم وبنت العمة وما أشبههم؛ فهؤلاء لا تجب عليه نفقتهم؛ لأنه لا يرثهم بفرض ولا تعصيب. قوله: (وفي الحديث: { للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف } إلخ): كذلك عليه نفقة المماليك والمملوك هو: العبد الذي يملكه الإنسان ملكًا تامًا، يقول صلى الله عليه وسلم: { للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق } وفي حديث أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في المماليك: { هم إخوانكم خولكم- يعني خدمكم- جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده: فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم } رواه البخاري رقم (30) في الإيمان، ومسلم رقم (1661) في الأيمان. ؛ لذلك كان أبو ذر يطعم مملوكه من طعامه، وإذا اشترى كسوة لنفسه اشترى مثلها كسوة لخادمه عملاً بهذا الحديث. قوله: (وإن طلب التزوج زوجه وجوبًا): أي: إذا طلب المملوك الزواج زوَّجه؛ لأنه يتضرر بتركه، ويُخشى أن يقع في الحرام فعليه أن يُعفّه، وإن كانت أمة وطلبت الزواج فإن عليه أن يعفها إما أن يطأها أو يزوجها فإن عجز عن ذلك لزمه بيعه حتى لا يتضرر عنده، لأن الزواج من جملة ضروريات الحياة. ويلزم بالواجب من ذلك إذا. طلبت، وفي حديث جابر الذي رواه مسلم: { ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف } سبق تخريجه 266. . قوله: ( وعلى الإنسان أن يقيت بهائمه طعامًا وشرابًا، ولا يكلفها ما يضرها): البهائم معلوم أنها تعيش على الماء وعلي الطعام وعلي العلف، ولا بد لها من ذلك، ومعلوم أنها لا تشتكي ولا تتظلم ولا تطلب حقًّا، ولكن أصحابها وأهلها يعرفون ذلك فليس له أن يجيعها وهو قادر على إطعامها، بل إذا عجز عن علفها فعليه ذبحها إن كانت مأكولة، أو بيعها لمن يقدر على تعليفها، ولا يكلفها ما يضرها، فالدواب التي يحمل عليها لا يحمل عليها إلا ما تطيقه. قوله: (وفي الحديث: { كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته } ): هذا الحديث يعم قوت الدواب، فكونه يضيع دوابه بحبس قوتها عنها فعليه إثم، وكذلك عماله الذين يعملون عنده كخدم، وكذلك أهله وأولاده لا يجوز أن يحبس عنهم قوتهم؛ بل عليه أن يعطيهم القوت الذي يحتاجون إليه والله أعلم. |