ويباح صيد الكلب المُعَلَّم بأن يسترسل إذا أرسل، وينزجر إذا زجر، وإذا أمسك لا يأكل، ويسمي صاحبها عليها إذا أرسلها. وعن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إذا أرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله عليه، فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه، وإن أدركته قد قتله ولم يأكل منه فكله، كان وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتله فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله؛ وإن رميت سهمك فاذكر اسم لله عليه، فإن غاب عنك يومًا فلم ترَ فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت، فإن وجدته غريقًا فبي الماء فلا تأكل } متفق عليه رواه البخاري رقم (5484) في الذبائح والصيد، ومسلم رقم (1929) في الصيد. . وفي الحديث: { إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته } رواه مسلم رواه مسلم رقم (1955) في الصيد والذبائح. . وقال صلى الله عليه وسلم: { ذكاة الجنين ذكاة أمه } رواه أحمد (3، 31، 53)، والترمذي رقم (1476) في الأطعمة، وأبو داود رقم (2826، 2827) في الأضاحي، وابن ماجه رقم (3199) في الذبانح، والدارمي (2 / 84)، والحاكم (4 / 114) وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم (1193)، وهو في شرح الزركشي رقم (3544، 3545). رواه أحمد. قوله: (ويباح صيد الكلب المُعَلَّم: بأن يسترسل إذا أرسل... إلخ): لقوله تعالى: { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ } والجوارح تطلق على الطيور المعلمة: كالصقر والبازي والباشق والشاهين ونحوها، وعلى الكلاب المعلمة، فيباح صيده؛ لقوله تعالى: { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ } ثم قال: { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } أي: بهذا الشرط: أمسكن عليكم، ثم قال: { وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } . فقوله تعالى: { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } أي: من الكلاب ونحوها، وقوله: { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ } المائدة: 4 دل على أنه لا بد أن يعلم. ومتى يكون الكلب معلما حتى يباح صيده؟ قالوا: علامته أنه يسترسل إذا أرسل، وينزجر إذا زُجر، وإذا أمسك لا جمل؛ فهذا الذي يباح صيده. وقولهم: يسترسل إذا أرسل: يعني: إذا أرسله صاحبه بكلمة يعرفها أو إشارة يفهمها فإنه يسعى في طلب ذلك الصيد. وقولهم: وينزجر إذا زُجر: يعني: إذا رآه صاحبه بكلمة في المشي والعدو فصاح به فإنه يزيد في المشي والعدو؛ لأنه زجره، وكذلك إذا زجره عن السعي فإنه لا يسرع أو يقف مثلا. وقولهم: إذا أمسك لا جمل: يعني: إذا أمسك الصيد فإنه يمسكه بفمه أو يعضه بأسنانه ويقتله ولكن لا يأكل منه؛ بل يقف عنده حتى يأتي صاحبه. ولا بد من التسمية، أي: يسمي صاحبه إذا أرسله؛ سواء كان طيرًا أو كلبا. قوله: (وعن عدي بن حاتم قال: قال وسول الله جميع: "إذا أرسلت كلبك... إلخ): أورد لنا هذا الحديث عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إذا أرسلت كلبك المعلم } بهذا الشرط، "فاذكر اسم الله عليه " وهذا شرط أيضا. ثم قال: "فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه "، يعني: إذا أدركت الصيد حيًّا فلا بد أن تذبحه؛ لأنه أصبح من المقدور عليه، والمقدور عليه لا بد أن يذبح بالسكين فاذبحه. ثم قال: "وإن أدركته قد قتله ولم يكل منه فكله "، لعموم قوله تعالى: { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } المائدة: 4 لأنه ما أمسك إلا لك ما أمسك لنفسه، واستثنوا من ذلك الجارح الصقر فإنه إذا أكل فلا يحرم صيده، والغالب أنه يجرح لأنه يقتل الحبارى مثلا أو الأرانب بمخالبه، فيضربها بمخالبه فيقطع جلدها وظهرها فتموت، فإذن الغالب أنها تموت بضربه، والغالب أنه جمل، فلا يضر أكله. ثم قال: { وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتله فلا تأكل؛ فإنك لا تدري أيهما قتله " } ؛ لأنك ما سميت إلا على كلبك، وما أرسلت إلا كلبك، والصيد قد قتله اثنان؛ أحدهما مسمى عليه والآخر غير مسمى عليه فلا تكل. ثم قال: "وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله عليه ": كانوا يرمون بالسهام، والسهام: قطع من الأعواد يبرونها ويحددون رءوسها، ثم يجعلونها في القوس ويرمون بها، وقد تصل الرمية إلى مائة ذراع أو مائتين، وأكثر ما تصل ثلاثمائة ذراع، فيصيب الرمية، وقد يصيبها من جنبها وتخرج من الجنب الآخر، كما في حديث الخوارج يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية أخرجه أحمد (3 / 353، 354) . . والحاصل: إذا رميت بالسهم فاذكر اسم الله عليه. ثم قال: "فإن غاب عنك يوما فلم تر فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت ؛ لأنك تتحقق أن هذا السهم قد قتله، لكن قد تتغير رائحته إذا طالت المدة فيكون مكروهًا، أما إذا وجدته في حينه ولو مات فإنك تأكله. ثم قال: "فإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكله" ؛ لأنك لا تدري هل سهمك الذي قتله؟ أو الماء الذي قتله؟ هذا الحديث متفق عليه، ومثله أيضا حديث أبي ثعلبة الخشني بنحوه. قوله: (وفي الحديث: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته "). هذا الحديث حديث عظيم في صحيح مسلم عن شداد بن أوس؛ فقوله: { إذا قتلتم فأحسنوا القتلة } يعني: حتى ولو كان الإنسان يقتل قصاصًا فإن عليه أن يحسن القتلة، إذا أراد أن يقتل قاتل أبيه أو أخيه فإنه يقتله قتلاً حسنًا ولا يعذبه، لا يطعنه طعونًا كثيرة؛ بل ليقتله قتلة واحدة. وقوله: { وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة } يعني: إذا ذبح بالسكين فعليه أن يذبحها بسرعة حتى لا تتألم. وقوله: { وليحد أحدكم شفرته } يعني: فيحد السكين وشمنه حتى يكون حادًّا. وقوله: "وليرح ذبيحته "، أي: يذبحها بسرعة، بقطع الحلقوم والمريء والودجين بسرعة حتى لا تتألم، فإنها إذا كانت كالة وأخذ يحزها فإن الدابة تتألم، فإذا كانت حادة قطعت بسرعة. قوله: (وقال صلى الله عليه وسلم: { ذكاة الجنين ذكاة أمه } ): فالمراد إذا ذبحت الشاة ووجد في بطنها جنين، فإنه يباح أكله ولا حاجة لذبحه، وكذلك ولد البقرة وولد الناقة، إذا وجد في بطنها جنين جاز أكله ولو لم يذبح، وألحق بلحمها، يعني: يطبخ معها ويؤكل إذا أراد ذلك أهله ولا حاجة لذبحه. |