الشهادات

وَتَحَمُّل الشهادة في حقوق الآدميين: فرض كفاية، وأداؤها فرض عين. ويشترط أن يكون الشاهد عدلاً ظاهرًا وباطنًا. والعدل هو: من رضيه الناس؛ لقوله تعالى: { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ } البقرة: 282 . ولا يجوز أن يشهد إلا بما يعلمه: برؤية أو سماع من المشهود عليه، أو استفاضة يحصل بها العلم في الأشياء التي يحتاج فيها إليها، كالأنساب ونحوها. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل: { "ترى الشمس؟ " قال: نعم، قال: "على مثلها فاشهد أو دع" } رواه ابن عدي رواه الحاكم (4 / 98) وعنه البيهقي (10 / 156)، والعقيلي في الضعفاء (4 / 70)، وابن عدي في الكامل (2213)، وأبو نعيم في الحلية (4 / 18)، وانظر الكلام عليه في شرح الزركشي رقم (3837) . [قاله الشيخ ابن جبرين]. وانظر الإرواء (2667). . قوله: (وَتَحَمّل الشهادة في حقوق الآدميين: فرض كفاية، وأداؤها فرض عين): هنا ابتدأ الكلام عن الشهادة وأدائها. تحمل الشهادة فرض كفاية فإذا جاءك إنسان وقال: أريد أن تذهب تشهد لي على بيع أو على نكاح أو على طلاق، فإن لم يوجد غيرك فيلزمك أن تذهب معه فإن كان يجد غيرك فلا يلزمك، إنما هو فرض كفاية. أما إذا تحملتها وصرت شاهدًا له ثم طلب منك أن تؤديها فإن أداءها فرض عين، قال تعالى: { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا } البقرة: 282 يعني: لا يمتنع الشاهد عن أداء الشهادة بعد أن تحملها، ثم قال: { وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ } البقرة: 282 وإذا كان عليه ضرر فلا يضار. قوله: (ويشترط أن يكون الشاهد عدلاً ظاهرًا وباطنًا): لقوله تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } الطلاق: 2 وقد تكلم العلماء على العدالة وأطالوا في شروطها وفي القوادح التي في الشهادة، حتى ذكر بعضهم أكثر من مائة قادح يقدح في الشهادة، وأدخلوا في ذلك الإخلال ببعض الأمور العادية. فالحاصل أن الشاهد لا بد أن يكون عدلاً ظاهرًا وباطنًا، الظاهر في أخلاقه، فإذا كان معروفًا بالصدق، ومحافظًا على الصلوات، ومؤديًا لحقوق الله ومؤديا لحقوق الناس، ولا يعرف منه الكذب، ولا يعرف منه الظلم، ولا التعدي، فهذا عدل في الظاهر. والعدل في الباطن بأن لا يعرف منه سرقة ولا اختلاس ولا خيانة في أمانة ولا فجور ولا زنى ولا فواحش ولا معاصٍ، أما إذا عرف منه شيء من ذلك فليس بعدل. قوله: (والعدل هو: من رضيه الناس، لقوله تعالى: { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ } ): ولهذا يمكن للخصم أن يطعن في الشاهد، فيقال: هذا الشاهد شهد ضدك اطعن فيه، فإن طعن فيه بفعل مخالفة ظاهرة كأن يقول مثلاً إنه يشرب الدخان أو إنه حليق اللحية، أو إنه يترك الصلاة أو يتخلف عن الجماعة، فإن ذلك قادح. قوله: (ولا يجوز أن يشهد إلا بما يعلمه: برؤية أو سماع من المشهود عليه): لقوله تعالى: { وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا } يوسف: 81 حكاية عن إخوة يوسف، فالشاهد لا بد أن يشهد عن علم فلا يشهد بمجرد الظن، فلا بد أن تحصل الرؤية لذلك، فيقول: نعم رأيته يشتري من هذا، رأيته عندما أقبضه وسلمه، رأيته عندما ضربه أو شجه، أو سمعته يقذفه، سمعته يرميه بفاحشة مثلاً، أو سمعته يعترف له بالحق أو ما أشبه ذلك. قوله: (أو استفاضة يحصل بها العلم في الأشياء التي يحتاج فيها إليها، كالأنساب ونحوها): الاستفاضة هي: الخبر الذي ينتشر في البلاد ويكون مشتهرًا عند الخاص والعام استفاضة يحصل بها العلم في الأشياء التي يحتاج إليها، كأن يقول: أنا ما رأيته عندما ولدته أمه، ولكن الناس كلهم يقولون: هذا فلان ابن فلانة التي هي زوجة فلان بن فلان، فأشهد بأنه فلان بن فلان وبأنه من القبيلة الفلانية وهذه شهادة بانتشار الخبر فلهم أن يشهدوا بالنسب. وكذلك إذا اشتهر خبر في البلاد أن فلانًا مثلاً قاتل أو أنه مثلاً مدين بكذا وكذا فله أن يشهد بالشهرة. قوله: (وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل: { "ترى الشمس؟ " قال: نعم، قال: "على مثلها فاشهد أو دع " } . هذا الحديث رواه ابن عدي، وذكره الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ولكن في إسناده ضعف، وفيه دليل على أن الشاهد لا يشهد إلا بما تحققه وتيقنه مثل رؤيته للشمس التي لا يشك في أنها هي الشمس.