قال تعالى: { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } [سورة الحشر، الآية:14] فقد ذم الله الحسد في هذه الآية وهو من الآداب السيئة وضده الإنصاف وهو من الآداب الشرعية، والإنصاف هو أن تنصف من نفسك، وتعترف بما أنت مخلّ به، ولا شك أن ذلك يرفع من قدرك ولا ينقصك عند الله ولا عند عباده بل يرفع من معنوياتك. فمن الآداب الشرعية كون الإنسان ينصف من نفسه؛ فيعترف بالحق على نفسه، وبما أخطأ فيه، فيسترشد ويستصوب ما أخطأ فيه، ويجعل الحق قصده، ومطلبه، ويأخذ به حيث وجده، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحذِّر من التقاطع ومن الشحناء ويسميها الحالقة ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: { لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين } . فإذا نظرنا في آداب المسلم وجدناه ينصف من نفسه ويَّتبع الحق ويتقبله أينما كان ومع من كان، ووجدناه يحب أهل الخير ويتقبل منهم نصحهم وإرشادهم فالإنسان ينصف من نفسه، ويعترف بما عنده؛ وهذه من الآداب الحسنة. وأما الذي يشمئز من الناس ولا يقبل كلام من فوقه، ويحتقر من دونه متى جاءه بنصيحة، ويقول: من أنت حتى تنصحني؟ أين علمك وأنا أعلم منك وأجلّ وأكبر منك سنا ، وقدرا ؟ فكيف ترشدني وتنصحني؟ فهل يقول هذا عاقل؟ فالحق مقبول مع من جاء به، يقول القائل: اقبل الحق مما جاء به وإن كان عدوا ، ورُدَّ الباطل على من جاء به وإن كان صديقا . انظر إلى القول لا إلى القائل، فإذا كان القول صوابا فاقبله وأنصف من نفسك، واعترف بخطئك إذا بُيِّن لك خطؤك؛ لأنك لست معصوما ، بل لا بد أن يقع منك خطأ؛ قال صلى الله عليه وسلم: { كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون } . ولقد كان العلماء الأجلاء -رحمهم الله- إذا نُصحوا تقبَّلوا النصيحة وأقبلوا عليها مهما كان قائلها، وردوا آراءهم، وطمسوا ما كتبوه من الكتابات، ورجعوا إلى الحق الصواب، وذلك هو واجب الجميع، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، فعلى هذا يلزمنا أن نرجع إلى الحق، وأن ننصف من أنفسنا أن لا نُصِرَّ على أخطائنا، ولا نصر على باطل بعد أن تبين لنا أنه كذلك، ولو كان الذي جاء به صغيرا أو حقيرا أو نحو ذلك ،هذا هو الإنصاف. ولا شك أن الإنسان لا سيما طالب العلم وحامله، عليه أن يكون قدوة للناس في علمه، وفي عمله، فلا يحتقر مَن دونه ولا يتكبر على الصغير ولا على غيره؛ ولا يتكبر على أحد، ولا يحمل في نفسه اشمئزازا ولا عتوا ولا نفورا عن الحق، بل يكون متواضعا لكل الناس. |