إن الله سبحانه وتعالى ما شرع هذا الصيام لأجل مس الجوع والظمأ، وما شرع هذا الصيام لأجل أن نعذب أنفسنا، بل لا بد من فوائد لهذا الصيام قد تظهر وقد تخفى على الكثير، ومن هذه الفوائد: حصول التقوى: فإن الله لما أمر بالصيام قرنه بالتقوى، كما في قول الله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فجعل التقوى مترتبة على الصيام. ولكن متى تحصل التقوى للصائم ؟ التقوى هي: توقِّي عذاب الله، وتوقي سخطه، وأن يجعل العبد بينه وبين معصية الله حاجزا ، ووقاية، وسترا منيعا ، ولا شك أن الصيام من أسباب حصول التقوى، ذلك أن الإنسان ما دام ممسكا في نهاره عن هذه المفطرات -التي هي الطعام والشراب والنساء- فإنه متى دعته نفسه في نهاره إلى معصية من المعاصي رجع إلى نفسه فقال: كيف أفعل معصية وأنا متلبس بطاعة الله؟! بل كيف أترك المباحات وأفعل المحرمات؟!! . ولهذا ذكر العلماء أنه لا يتم الصيام بترك المباحات إلا بعد أن يتقرب العبد بترك المحرمات في كل زمان؛ والمحرمات مثل: المعاملات الربوية، والغش، والخداع، وكسب المال الحرام، وأخذ المال بغير حق، ونحوذلك كالسرقة، والنهب، وهذه محرمة في كل وقت، وتزداد حرمتها مع أفضلية الزمان كشهر رمضان. ومن المحرمات كذلك: محرمات اللسان؛ كالغيبة، والنميمة، والسباب، والشتم، واللعن، والقذف، وما إلى ذلك ، فإن هذه كلها محرمات في كل حال، ولا يتم الصيام حقيقة، ويثاب عليه إلا مع تركها. روى الإمام أحمد في مسنده عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أن امرأتين صامتا فكادتا أن تموتا من العطش، فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنهما، ثم ذكرتا له، فأعرض عنهما، ثم دعاهما فأمرهما أن يتقيئا فتقيئتا ملء قدح قيحا ودما وصديدا ولحما عبيطا ! فقال: إن هاتين صامتا عما أحل الله، وأفطرتا على ما حرم الله عز وجل عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يأكلان لحوم الناس } أخرجه أحمد في المسند: (5/431). . ولأجل ذلك ورد في الحديث الشريف قول النبي صلى الله عليه وسلم: { ليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث } أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: (4/270). وذكره المنذري في الترغيب والترهيب: (2/184). والهندي في كنز العمال: (23864). والسيوطي في الدر المنثور (1/201). (أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 4 -270) وقال صلى الله عليه وسلم: { رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر } أخرجه ابن ماجه برقم (1690). وأحمد في المسند: (2/373، 441). والبيهقي (4/270). وصححه السيوطي في الجامع الصغير. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ويقول بعضهم شعرا : إذا لم يكن فـي السمع مني تصـــاون وفـي بصـري غـض, وفـي منطـقي صمت فحـظي إذن مـن صومي الجوع والظمأ وإن قلـت: إنـي صمت يومي, فمـا صمـت! فلا بد أن يحفظ الصائم جوارحه. روي عن جابر رضي الله عنه أنه قال: { إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الغيبة والنميمة، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء } ذكره ابن رجب في لطائف المعارف وغيره. (ذكره ابن رجب في لطائف المعارف وغيره) . فالذي يفعل الحرام وهوصائم لا شك أنه لم يتأثر بالصوم، فمن يصوم ثم يرتكب الآثام فليس من أهل التقوى، فقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: { من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه } . أخرجه البخاري برقم (1903) في الصوم، باب: "من لم يدع قول الزور". وأخرجه أيضا برقم (6057). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. رواه البخاري . |