ومن الحكم الجليلة التي شرع لها الصيام أن يشعر الإنسان بالجوع فترة الصيام فيتذكَّر أهل الجوع دائما من المساكين والفقراء، ليرأف بهم، ويرحمهم، ويتصدق عليهم. فشُرع الصيام لأجل أن يتضرع الإنسان -إذا ما أحسَّ بالجوع- فيدعو ربه، كما ورد في الحديث: { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرضت عليه جبال مكة ذهبا ، فقال: لا يا رب بل أرضى بأن أجوع يوما ، وأشبع يوما ، فإذا جُعْتُ تضرعتُ إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك } أخرجه الترمذي، برقم (2347). وقال: حديث حسن. وأحمد في المسند: (5/254). من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. فذكر أن الجوع سببٌ للتضرع والذكر، فالإنسان إذا أحس بالجوع تضرع إلى الله. ومن الحكم في الصيام أن الإنسان يقلل من الطعام حتى يحس بأثر الجوع، فيتضرع ويدعو الله، ويتواضع له، ويكون ذاكرا له، مقبلا إليه، متواضعا بين يديه. ونلاحظ كثيرا من الناس أنهم لا يحسون بأثر هذا الجوع في هذه الأزمنة، وذلك أنهم عند الإفطار يجمعون من المأكولات والمشتهيات ما يملؤون به بطونهم، ويستمرون في الأكل طوال ليلهم، متلذذين بأنواع المأكولات حتى إذا ما أتى النهار وقد مُلئت بطونهم مكثوا طوال نهارهم في راحة، أو في نوم أو ما أشبه ذلك إلى أن يأتي الليل فلا يحس أحدهم بأنه صائم، ولا يظهر عليه أثر الصوم. ومن المعلوم أن هذا الحال لم يكن من الصحابة والسلف الأولين، فإنهم كانوا يقللون من المأكل في إفطارهم وفي سحورهم، ولا يأكلون إلا ما يقتاتون به ويقيم أصلابهم، كما أنهم كانوا طوال نهارهم منشغلين في أعمالهم الدينية والدنيوية، ولذلك لا بد وأن يظهر عليهم أثر الجوع والتعب، ولكنهم يحتسبون ذلك عند الله، فينبغي للمسلم ألا يكون همه المأكل، وأن يعمل حتى يكون للصوم آثاره وفوائده. |