يرجع سبب فضل ليالي العشر إلى أن فيها ليلة القدر؛ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث سلمان الطويل في فضل شهر رمضان: { شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم } هذا اللفظ أخرجه أحمد في مسنده: (2/385). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال أحمد شاكر (8979) إسناده صحيح. وذكره الحافظ بن كثير في تفسيره عند تفسير سورة القدر، وقد صححه الشيخ محمد نسيب الرفاعي في مختصر تفسير ابن كثير: (4/536). وهذه الليلة قد أخفي العلم بعينها، فلم يطلع الله عليها أحدا من خلقه، والسبب في ذلك طلب الاجتهاد في بقية الليالي، فإنهم لو علموا عينها لناموا في بقية الليالي، وقاموا هذه الليلة وحدها، ولم يحصل لهم زيادة الأعمال، فإذا أبهمت في هذه الليالي فإنهم يجتهدون، فيقومون في كل ليلة جزءا رجاء أن يوافقوها، فكلما جاءت ليلة قال أحدهم: أرجو أن تكون هذه هي الليلة التي هي خير من ألف شهر فيقومها. فإذا جاءت الليلة التي بعدها قال: قد تكون هذه، إلى أن تنتهي أيام العشر، فيحصل على أجر كثير، وتتضاعف له الحسنات، ويكون ممن عبد ربه عبادة متتابعة، لا عبادة منقطعة قليلة. أما تعيين تلك الليلة فقد اختلف فيها اختلافا كثيرا ، حتى وصلت الأقوال فيها إلى أكثر من أربعين قولا كما في فتح الباري، انظر فتح الباري: (4/309) قال الحافظ: "وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافا كثيرا، وتحصل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولا، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركتا في إخفاء كل منهما ليقع الجد في طلبهما". ا.هـ. وكلها ليست بيقين. فمنهم من قال: إنها ليلة إحدى وعشرين، واستدل بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: { إني رأيت في صبيحتها أني أسجد في ماء وطين } جزء من حديث أخرجه البخاري برقم (2016) في فضل ليلة القدر، باب: "غلتماس ليلة القدر في السبع الأواخر". وأخرجه مسلم برقم (1167) في الصيام، باب: "فضل ليلة القدر" من حديث أبي سعيد الخدري، وفي الباب عن عبد الله بن أنس. . قال أبو سعيد راوي الحديث: فأمطرت السماء فوكف سقف المسجد، فانصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى جبهته أثر الماء والطين ورجّح الإمام الشافعي ليلة إحدى وعشرين لهذا الحديث. ومنهم من قال: هي ليلة ثلاث وعشرين، واستدل بأنه - صلى الله عليه وسلم - حث على قيام السبع الأواخر مرة، ثم قال: كم مضى من الشهر؟ قالوا: مضى ثنتان وعشرون، وبقي ثمان، قال: بل مضى ثنتان وعشرون وبقي سبع، فإن الشهر لا يتم، اطلبوها الليلة، أخرجة ابن ماجة برقم (1656). وأحمد في مسنده: (1/251) قال أحمد شاكر (7417): إسناده صحيح. (يعني ليلة ثلاث وعشرين) ذكره ابن رجب في الوظائف. ومنهم: من رجح ليلة أربع وعشرين، وذلك لأنها أولى السبع الأواخر، واستدل بأنه - صلى الله عليه وسلم - لما رأى كثير من أصحابه ليلة القدر في السبع الأواخر قال: { أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فتحروها أو قال: فمن كان متحريها فليتحرَّها في السبع الأواخر } أخرجه البخاري برقم (2015) في فضل ليلة القدر، باب: "التماس ليلة القدر في السبع الأواخر". ومسلم برقم (1165) في الصيام، باب: "فضل ليلة القدر.." من حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما. والسبع الأواخر أولها ليلة أربع وعشرين إذا كان الشهر تاما . ومنهم من قال: إنها تطلب في ليالي الوتر من العشر كلها؛ وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: { التمسوها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان } أخرجه البخاري برقم (2017) في فضل ليلة القدر، باب: "تحري ليلة القدر في الوتر...". وأخرجه أيضا برقم (2019) و(2020) من حديث عائشة، ومسلم برقم (1165)- 207 من حديث عبد الله بن عمر. والوتر هي الليالي الفردية، وبالرجوع إلى ما مضى فليالي الوتر هي ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، فهذه أوتارها بالنسبة إلى ما مضى. وإذا قلنا: إنها بالنسبة إلى ما بقي فهي الليلة الأخيرة التي ما بعدها إلا ليلة واحدة، وليلة ثمان وعشرين، وليلة ست وعشرين، وليلة أربع وعشرين، وليلة اثنتين وعشرين، وعلى هذا تكون ليالي العشر كلها محلا للطلب والالتماس. |