الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعم ورضي لنا الإسلام دينا . وأشهد أن لا إله إلا الله، ولا رب لنا سواه، الإله الحق، المالك المتصرف في الخلق. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي عرفنا ديننا، وأوضح لنا الطريق إلى ما فيه من الهداية والنجاة والحياة الطيبة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته الذين بلغوا عنه دينه، وساروا على نهجه، وعلى أتباعهم بإحسان أبدا وسرمدا . أما بعد: فقد كان الناس في جاهلية جهلاء، وضلال عن الصراط السوي، فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأمره بالدعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ولقد امتن الله على المؤمنين ببعثته، فقال تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } وإذا كانت هذه وظيفة هذا النبي الكريم، ورسالته التي تحملها من الله إلى عباده، فقد قام بأدائها أتم قيام، فبلغ ما أنزل إليه، وعلم الناس كل ما فيه نفعهم وصلاحهم، قال صلى الله عليه وسلم: { قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك } رواه أحمد وابن ماجه هو في مسند أحمد 4/126، وابن ماجة برقم 43 عن العرباض بن سارية رضي الله عنه. وقال فيما صح عنه: { إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم } رواه مسلم والنسائي عن عبد الله بن عمرو كما في صحيح مسلم 12/232 كتاب الإمارة، وسنن النسائي 7/152 كتاب البيعة في حديث طويل. فكان حقا على الأمة السير على نهجه، واتباع سنته، مما يسبب لهم النصر والرفعة في الدنيا، وحصول رضى الرب وثوابه في الدار الآخرة. ولكن الله من حكمته أن يبتلي عباده بأعداء من جنسهم، يشككونهم ويُلبسون عليهم، ويقدحون في دينهم، ويعيبونهم بالجمود والتأخر والرجعية كما يعيبون دينهم بما هو بريئ منه بما يروجونه من شبه وتضليلات، وكثيرا ما يسددون سهامهم إلى أصل من أصول الدين، كالحديث النبوي، فيلقون في ذلك الشبه، ويولدون الشكوك، خداعا للطغام، وصرفا لضعفاء العقول والأفكار عما فيه سعادتهم وهدايتهم إلى الطريق المستقيم. فراجت على بعض ضعفاء البصائر ممن يدعي الإسلام، فنقلوها من أولئك الأعداء، وتقبلوها بصدور رحبة، إحسانا للظن بأولئك الأعداء المارقين مما هان به في النفوس الضعيفة قدر هذه الشريعة وخف به وزنها في قلوب من قلت معرفته بأدلة الدين، وعميت بصائرهم عن الحق المبين، ولكن الله صدق وعده بحفظ دينه من عبث العابثين. ولما كان الدفاع عن الدين واجبا على كل مسلم، رأيت أن أقوم بقسط في هذا السبيل. وقد رأيت أن يكون موضوع رسالتي خبر الواحد، وبيان حجيته، وصحة أحاديث الآحاد النبوية، المعمول بها بين المسلمين، والمتلقاة منهم بالقبول سلفا وخلفا ، وما ذاك إلا أن أغلب الأحكام والأعمال إنما أخذت أدلتها من هذا النوع من الأخبار، فتحقيق ثبوته يلزم ثبوت السنة بأكملها. وقد بدأت البحث بمقدمة في أهمية السنة واعتناء السلف بها، ثم ضمنت البحث ستة أبواب: الباب الأول: في تعريف الخبر وأقسامه، وفيه ثلاثة فصول: الفصل الأول: في ماهية الخبر. الفصل الثاني: في تعريف المتواتر وشروطه. الفصل الثالث: في تعريف الآحاد وأقسامها. الباب الثاني: في شروط العمل بخبر الواحد، وفيه ثلاثة فصول. الفصل الأول: في شروط الراوي. الفصل الثاني: في طرق معرفة أهلية الراوي. الفصل الثالث: في الشروط المعتبرة في متن الخبر. الباب الثالث: في ما يفيده خبر الواحد، وفيه تمهيد، وثلاثة فصول. الفصل الأول: في أدلة من قال: إن خبر العدل يفيد العلم، وبيان ما يرد عليها والجواب عنه. الفصل الثاني: فيمن قال: خبر الواحد يفيد العلم بالقرائن، وبيان أنواع القرائن. الفصل الثالث: في مستند من قال إن الآحاد لا تفيد إلا الظن، ومناقشة شبههم. الباب الرابع: في حكم قبول الآحاد في العقائد، وفيه فصلان. الفصل الأول: في أدلة من قال بالجواز. الفصل الثاني: في شبه المخالفين ومناقشتها. الباب الخامس: في حكم العمل بخبر الواحد، وفيه فصلان: الفصل الأول: في دلالة العقل على العمل بخبر الواحد. الفصل الثاني: في الخلاف في دلالة السمع على وجوب العمل بخبر الواحد. الباب السادس: في جملة من أخبار الآحاد مختلف فيها. ثم ختمته بخاتمة في وجوب التمسك بالحديث الصحيح وإن خالف المذاهب والآراء والله المستعان وبه الثقة. |