شبه للخصوم حول هذا الدليل 1- قالوا: إن هذه الأحاديث لا تخرج عن كونها آحادا ، فلا يستدل بها على قبول الآحاد، لما يلزم منه من الدور. فيقال : إن بعض هذه الأخبار قد روي من طرق كثيرة ، بلغ حد الاستفاضة، ولو استقصينا طرقها وشواهدها لطال الكلام. ثم إنها وإن كانت آحادا فهي لكثرتها وتعدد جهاتها ملحقة بالمتواتر المعنوي، الذي يفيد القطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتفي بالآحاد، ويبني على خبرهم. 2- قالوا : إن القصد من بعث أولئك الرسل ونحوهم التعليم والفتوى، والقضاء، وقبض الزكاة، أما أدلة الأحكام فلم يؤمروا بتبليغها، فلا تدل على المراد. فيقال: لا شك أنه بعثهم إلى أناس لم يعرفوا شيئا من الدين في الأغلب، وقد كان تعليمهم من موجب الرسالة، فاكتفى صلى الله عليه وسلم ببعث أولئك الآحاد الذين بلغوهم ما يلزمهم في الإسلام من عبادات ومعاملات، فمن خص تعليمهم بنوع منها فقد كذب الواقع المحسوس. ثم لو قدر أنه بعثهم لقبض الزكاة ونحوها، وكان خبر الواحد، لا يقبل، لم يلزم المبعوث إليهم تسليمهم الزكاة ، ولا قبول فتواهم وحكمهم، لكونهم بلغوا أصول الدين وهم آحاد. 3- قالوا : يمكن أن يكون بعث الواحد لينضم إلى من سبقه فيما يبلغه، حتى يبلغ حد التواتر الذي يفيد العلم ذكرت هذه الشبه في كتب أصول الفقه كالأحكام للآمدي 2/62 وغيره. . فيقال: وهذا التخصيص مما لا دليل عليه أيضا ، فإن أهل تلك الجهات تقبلوا منهم ما بلغوه، وطبقوه لأول مرة، فلم ينقل أن أحدا منهم توقف حتى يتواتر الخبر، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم مبادرتهم إلى العمل بأول خبر. ولم ينقل أنه بعث إلى كل جهة أكثر من واحد، إلا في القليل النادر ، فإن سعة البلاد، وبعد المسافات، وقصر زمن النبوة منذ قوي الإسلام، وكون المبعوثين معروفي الأسماء والجهات، مما يؤكد أنه لم يكن أهل جهة من تلك الجهات النائية وصلت إليهم تفاصيل الشريعة وأدلة الأحكام بطريق التواتر في تلك السنوات القليلة. |