46- ومن انتقص أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أبغضه بحدث كان منه أو ذَكَر مساوِئَه كان مبتدعًا حتى يترحم عليهم جميعًا، ويكون قلبه لهم سليمًا الأدلة في فضل الصحابة وأنهم أفضل البشر بعد الأنبياء كثيرة، نذكر منها قوله -تعالى-: { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ } [ التوبة: 117 ] ، وقال -تعالى-: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ الحشر:10 ]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه". أخرجه البخاري برقم (3673)، ومسلم برقم (2541) عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-. ومن هذه الآيات والحديث يتبين لنا فضل الصحابة -رضي الله عنهم- فلذا وجب علينا أن نذكر محاسنهم، وأن نترحّم عليهم وأن نستغفر لهم وأن نكف عن مساوئهم وما شجر بينهم وأن نعتقد فضلهم ومعرفة سابقتهم. . يقول: من تنقَّص أحدًا من الصحابة يعني: عابه، أو ذكر مثالبهم أو مساوئهم، أو نحو ذلك؛ فإنه يعتبر بذلك قد ابتدع وتعدَّى على حرمة الصحابة -رضي الله عنهم-. ولا شك أنه قد وقع من بعضهم أمور اجتهادية أنكرتها عليهم الرافضة، وعَدُّوها من المثالب، وقد يكون بعضها من المحاسن، وبعضها من محاسن الدين، ومن محاسن الشريعة، ولا شك أنها من فضائلهم، ولو عدوها من مثالبهم قال الشيخ ابن جبرين: اشتهر عن الرافضة لعنهم الله، سَبُّ الصحابة وشتمهم وتكفيرهم، وبالأخص أكابرهم، كالعشرة ما عدا عليًّا، وقد ولَّدوا أكاذيب وتُرَّهَات لفَّقوها، وألصقوها بهم، وجحدوا فضلهم وأنكروا جميع ميزاتهم، واتهموهم بإخفاء شيء من القرآن ونحوه، وأضافوا إلى ذلك الغلو والإفراط في علي وأهل بيته، حتى عبدوهم من دون الله. فلأجل الرد عليهم، وإظهار بُهْتَانهم أظهر أهل السُّنّة فضل الصحابة وسبقهم، وجعلوه في معتقداتهم. فنحن نحب جميع الصحابة، ونترضَّى عنهم، ونعترف بفضلهم، ونشهد لهم بالصلاح، وندعو لهم مع أنفسنا، فنقول: { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ } [ الحشر: 10 ]. وما ذاك إلا أنهم آمنوا وصدقوا الرسول حتى في وقت القلة والذلة، ثم هاجروا وتركوا البلاد والأهل والمال، ثم بذلوا نفوسهم وما يملكونه رخيصة في سبيل الله، وإعلاء كلمته ونُصرة رسوله، هذا مع العبادة والتهجد، والمسابقة إلى الخيرات، كما تشهد بذلك الآثار المستفيضة. اهـ (من كتاب التعليقات على متن لمعة الاعتقاد للشيخ ابن جبرين، صفحة: 175، 176. . وقد بيَّن شيخ الإسلام -رحمه الله- في العقيدة الواسطية، أن ما يروى عن الصحابة: إما أن يكون كذبًا لا أصل له مما افتراه عليهم أعداؤهم، وإما أن يكون قد زِيدَ فيه أو حُرِّفَ أو غُيِّر عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر لحديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، قال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر". أخرجه البخاري برقم (7352)، ومسلم برقم (1716). . |