وقوله: { يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة } رواه الإمام أحمد في المسند (4/151). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/270) وقال إسناده حسن. وقوله: { يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة } رواه البخاري في الجهاد برقم (2826)، ورواه مسلم في الإمارة برقم (1890) ) . الحديث الثاني: حديث العجب { يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة } هذا الحديث مروي في المسند وفي بعض السنن، وهو مما يستشهد به ، وإسناده حسن، ومعناه أن الشاب الذي في سن الشباب عادة يكون له ميل إلى اللهو ، وميل إلى اللعب، فإذا مَنّ الله على بعض الشباب وأقبلوا على العلم وعلى الدين وعلى العبادة، وصدوا عن اللهو وعن اللعب وعن ما يوجبه الصبا، فإن ذلك غاية العجب، وذلك فضل الله عليهم. الشاهد من الحديث أن الله يعجب، وهي صفة فعلية، لا نكيفها، بل نقول: هي كما يشاء الله تعالى ، وقد قرأ بعض القراء السبعة قوله تعالى في سورة الصافات { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } ( الصافات:12 ) بضم التاء؛ لإسناد العجب إلى الله، وهي قراءة سبعية. ولما ذكرها ابن جرير في التفسير مع قراءة ( بل عجبتُ ) قال: هما قراءتان مستفيضتان في قراءة المسلمين، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، ولو قال قائل: بأيتهما نزل القرآن ؟ ، قلنا: نزل بهما جميعًا ، ففي هذه القراءة أن الله يعجب، وكذلك في قوله تعالى: { وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } ( الرعد:5 ) أخبر الله أنه عجب ؛ يعني: إن الله يعجب منهم. وينكر كثير من الأشاعرة ونحوهم صفة العجب، ويقولون : إن العليم الخبير لا يعجب، ولا يجوز أن يوصف الله بالعجب، فإن العجب إنما هو انتباه شيء في الإنسان وفي القلب يورث دهشة أو نحوها، هذا قولهم، لكن نحن نثبت لله عجبًا لا يشبه عجب المخلوقين، وهذه من الصفات الفعلية. ومثلها أيضًا حديث آخر في السنن؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: { عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيره، ينظر إليكم أزلين قنطين، فيظل يضحك ، يعلم أن فرجكم قريب } فإن في هذا الحديث إثبات صفة العجب ، كما إن فيه إثبات صفة الضحك، وفي الحديث الآخر: { يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة ، قالوا: كيف ذلك ؟ قال: يقاتل أحدهما في سبيل الله فيُقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيُسلم، ثم يُستشهد } فكلاهما يدخلان الجنة؛ القاتل والمقتول؛ هذا مما يورث العجب. فنحن نثبت هذه الصفة، وننفي عنها التشبيه، فالتشبيه يختص بالمخلوقين، ونقول: إن الله تعالى أثبتها لنفسه، ونحن نثبتها دون أن نبالغ في التمثيل، أو نقول عنها ما ليس بحق ، ومعلوم أن صفة المخلوق تناسبه؛ فالضحك للمخلوق هو قهقهةٌ وصوت يكون عن شيء يعجبه أو يفرحه أو يسره ، ولكن الرب يضحك كما يشاء ، بصفة لا نعلمها ولا نعلم كيفيتها. وفي الحديث الطويل الذي ذكره ابن القيم في ( زاد المعاد ) وأشار إلى أن علامة الصحة عليه ، وهو حديث أبي رزين العقيلي لما قال في أثناء الحديث: { فيضحك الله من قوله، فقال أبو رزين: أَوَيَضْحك الربُّ ؟ قال: نعم، قال: لن نعدم خيرًا من رب يضحك } رواه ابن ماجه في المقدمة برقم (169) والإمام أحمد في مسنده ( 4/11 ، 12 ). أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وبكل حال هذه من الصفات الفعلية صفة الضحك لله كما يشاء. فإذا عرفنا هذه الصفات التي وردت في هذه الأحاديث وفي هذه الآيات وهي كثيرة؛ فموقف أهل السنة منها أنهم يقولون: آمنا بها كما جاءت، نقرها ونمرها، ونثبت حقيقتها ولا نرد شيئًا منها، ولا نتكلف فيها ، ولا نقول فيها: إنها صفة نقص ، والرب ينزه عنها؛ ولا نقول: إنها تستلزم أنه يتجدد لله شيء، أو ما أشبه ذلك كما يقول هذا الكثير من النفاة وأهل الاعتزال ونحوهم الذين إذا ذكرت لهم هذه الصفات يقولون: إن هذا يستلزم حلول الحوادث بذات الله، وحلول الحوادث ممتنع - تعالى الله أن تحل به الحوادث - وليس في هذا شيء من الحوادث، بل الله يفعل ما يشاء، ويضحك إذا شاء، ويرضى إذا شاء ، ويغضب إذا شاء، دون أن يكون في شيء من ذلك نقص، أو نسبة نقص إلى الله سبحانه وتعالى. |