وقوله: ( وقال النبي صلى الله عليه وسلم: { من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه؛ فله بكل حرف حسنة } حديث صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام { اقرءوا القرآن قبل أن يأتي قوم يُقيمون حروفه إقامة السهم لا يجاوز تراقيهم؛ يتعجلون أجره، ولا يتأجلونه } رواه أبو داود في الصلاة برقم (826) وهو حديث حسن. وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما : " إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه " , وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " من كفر بحرف منه فقد كفر به كله " أخرجه ابن أبي شيبة (10/513، 514)، وابن جرير في تفسيره (56)... وإسناده صحيح. واتفق المسلمون على عد سور القرآن، وآياته، وكلماته، وحروفه، ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفًا متفقًا عليه -أنه كافر، وفي هذا حجةٌ قاطعةٌ على أنه حروف. ) شرح: هذه الأدلة أدلة واضحة على أن القرآن فيه كلمات، وحروف، وآيات ، ونحوها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: { من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ( الم ) حرف ، ولكن ألِف حرف، ولام حرف، وميم حرف } رواه الترمذي في أبواب فضائل القرآن (3075) وقال: هذا حديث حسن صحيح. أخبر بأنه يثاب على هذه الحروف ، فدل على أن القرآن هو هذه الحروف، وكذلك { من قرأ القرآن فأعربه } { من قرأ القرآن ولحن فيه } { الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران } رواه البخاري بنحوه في فضائل القرآن برقم (4937)، ومسلم في صلاة المسافرين برقم (798) واللفظ له. ويقول صلى الله عليه وسلم: { تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تَفَصِّيًا من الإبل في عقلها } رواه البخاري في فضائل القرآن برقم (5033). ويحث - صلى الله عليه وسلم - على تعلمه وتعليمه بقوله: { خيركم مَن تعلَّم القرآن وعَلَّمه } رواه البخاري في فضائل القرآن برقم (5027، 5028). ويخبر صلى الله عليه وسلم عن فضل من يحمله { مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة طعمها طيب، وريحها طيب } رواه البخاري في فضائل القرآن برقم (5020، 5059)، ورواه مسلم في صلاة المسافرين برقم (797). يعني: أنه يقرأ القرآن ، وأن القرآن قد امتلأ به قلبه وضميره. وكذلك ذكر كلام الصحابة في تفضيل إعراب القرآن؛ يعني: تجويده، وتحقيق كلماته على كثرة التلاوة، كل ذلك دليل على أنهم فهموا أن القرآن هو هذا المكتوب في المصاحف الذي هو كلمات وحروف. وكذلك اتفق أهل السنة، واتفق أئمة الأمة على أنه يجوز أن تُعدَّ كلماته، وأن تُعدَّ حروفه، وأن تُعدَّ آياته، وفي ذلك دليل على أن كلام الله هو هذا القرآن الذي فيه حروف، فالإمام الموفق رحمه الله في ذلك يشير إلى أن قول المعتزلة أنه مخلوق قول باطل. وكذلك قول الأشاعرة: " إن الله لا يتكلم بحرف وصوت " قولٌ باطل، فإنهم يريدون بذلك إبطال كون القرآن كلام الله؛ حروفه ومعانيه، فإن كلام الله هو القرآن؛ حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني ، ولا المعاني دون الحروف. ولما اشتهر عن شيخ الإسلام رحمه الله أنه يثبت أن الله يتكلم بكلام مسموع، أنكر عليه الأشاعرة، ولما أحضروه في مصر لمجادلته انتصب له أحد علماء الشافعية ووقف خصمًا له إذ رئيس القضاة في ذلك الوقت من الحنفية فقال له: أدعي على هذا الفقيه أنه يقول: إن الله يتكلم بحرف وصوت ، هكذا نقموا عليه قوله: ( إن الله يتكلم بحرف وصوت ) كأن هذه كبيرة عندهم، وكأن هذا أكبر الذنوب، وأكبر الكبائر، وأنه كفر، فلم يكن من شيخ الإسلام إلا أنه ذكر لهم الأدلة ، وطلب منهم أن يفسروها، فعجزوا عن ذلك ، فلبيان بطلان قول الأشاعرة اجتهد الشيخ في هذا الباب في أن يورد كثرة الأدلة التي تثبت أن كلام الله هو هذا القرآن حروفه ومعانيه. |