فلا يجوز أن يقال : ليس للعبد أية قدرة أصلاً، فهذا قول الجبرية، ولا يقال : ليس لله قدرة أصلا فهذا قول المعتزلة ، بل لله قدرة عامة وللعبد قدرة خاصة، وقدرة الرب غالبة على قدرة العبد، ودليل ذلك في القرآن قوله تعالى : { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } (التكوير:28-29) { فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } (المدثر:55-56) { فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } (الإنسان:29-30) ونحو ذلك من الآيات. فالاحتجاج بالقدر هو قول المشركين الذين يقولون: { لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } (الزخرف:20) { أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ } (يس:47) فهؤلاء الجبرية الذين يحتجون بالقدر قولهم موافق لقول المشركين، والغالب أنهم لا يحتجون به إلا عند أهوائهم؛ ولهذا يقول ابن القيم في الميمية. وعند مراد الله تفنى كميِّـــت وعند مراد النفس تُسدي وتُلحـِمُ وعند خلاف الأمر تحتج بالقضا ظهيرًا علـى الرحمن للجبر تزعم يعني: تزعم أنك مجبور، فحصل في ذلك تقسيم الطوائف إلى ثلاث: الطائفة الأولى: الذين يقولون إن العبد هو المستقل بفعله، وهؤلاء هم القدرية، وكذلك ينكرون قدرة الله ويدعون أن الله يعصى قهراً. الطائفة الثانية: طائفة مجبرة؛ الذين ينكرون قدرة العبد أصلاً، ويقولون: ليس له شيء من الفعل، فحركته كحركة المرتعش الذي لا يقدر على إمساك يده، أو حركته كحركة الشجرة التي تحركها الرياح بدون اختيارها فليس له أية قدرة. الطائفة الثالثة: قول أهل السنة: أن له قدرة وإرادة، وأنه بحسبها يثاب ويعاقب ، وإن كانت خاضعة لقدرة الله تعالى. |