قوله: ( والصراط حق يجوزه الأبرار ويزلُّ عنه الفجار، ويشفع نبينا - صلى الله عليه وسلم - فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر فيخرجون بشفاعته بعدما احترقوا وصاروا فحمًا وحممًا، فيدخلون الجنة بشفاعته هذا الكلام مأخوذ من حديث الشفاعة الذي رواه البخاري في الأنبياء برقم (3340، 3361)، وفي التفسير برقم (4712، 4476)، وفي الرقاق برقم (6565)، ومسلم في الإيمان برقم (322). , ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات؛ قال الله تعالى: { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } [الأنبياء:28 ] ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين. ) شرح: ذكر الصراط وذكر الشفاعة؛ أما الصراط فورد ذكره في الأحاديث، وكثرت الأحاديث التي تصفه وإن كان في بعضها غرابة أو ضعف، وكثير من الوعاظ يوردون هذه الأحاديث في القصص وفي المواعظ ويتساهلون في روايتها للتخويف بها، والغالب أن ما ورد فيه من المبالغات لا يثبت؛ كالذي روي أن صعوده مسيرة ألف سنة، وأن استواءه مسيرة ألف ، وأن الهبوط منه مسيرة ألف عام ، هكذا ورد ولكن لم يثبت. وما ورد أيضًا من أنه أحد من السيف وأدق من الشعرة وأحر من الجمر، وأروغ من الثعلب وهكذا... فإنه قد دخل في هذا كثير من المبالغات، ووصفه بأنه أحد من السيف وأدق من الشعرة ورد في حديث يمكن اعتباره. وقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر العبور على الصراط، وأن الناس يسيرون عليه على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر عليه كالبرق، ومنهم من يمر عليه كالريح، ومنهم من يمر عليه كأجاود الخيل والركاب، ومنهم من يعدو عدوًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يزحف زحفًا، وعلى جنبتي الصراط كلاليب مثل شوك السّعدان تخطف من أُمرت بخطفه، والأنبياء عليهم السلام على الصراط، ودعواهم: اللهم سلِّم سلِّم، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل. هذه الصفات وردت فيه حتى استغرب بعضهم المرور كالبرق ، يعني: سرعة الذي يمر عليه كأنه البرق ، وكالريح التي هي سريعة المرور، والمراد السير الحثيث ، وكأجاود الخيل؛ الجواد هو الذي يسير سيرًا سريعًا، والحاصل أنه ذكر أنهم يسيرون عليه هكذا؛ أي: على قدر أعمالهم وآخرهم الذي يزحف زحفًا. ورد أيضًا تقسيم الأنوار في قوله تعالى: { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ } (الحديد:13) وذلك أنهم يعطون أنوارا يمشون بها، وفي أثناء سيرهم ينطفئ نور المنافقين فيطلبون من المؤمنين أن يعطوهم قبسا يسيرون به، فيقال لهم: ارجعوا وراءكم حيث قسمت الأنوار فالتمسوا نوراً، فإذا رجعوا ضُرب بينهم بسُور له باب كما ذكر في القرآن في قوله تعالى: { قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ } (الحديد:13) . وذكر في الحديث أن هذا المرور على متن جهنم، وأنه هو الذي ذكره الله تعالى، وسماه ورودا في قوله تعالى: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا } (مريم:71) يعني وارد جهنم، وأنهم إذا مروا عليها فإن من يحس بها هم الفسقة والكفار ونحوهم، وكثير منهم يزل من الصراط ويسقط في النار أو تخطفه تلك الكلاليب وتسقطه في النار، وأما الذين مروا عليها سراعا فلا يحسون بها بل روي أنها تقول: " جُزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي " ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/360) وقال: رواه الطبراني، وفيه سليم بن منصور بن عمار، وهو ضعيف. . وإذا دخلوا الجنة قالوا: قد وعدنا ربنا أنا نَرِد النار - كما في قوله تعالى: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا } أين هي ؟ ما ذكرنا أننا وردناها !فيقال لهم: إنكم قد مررتم بها وهي منطفئة، أطفأ لهبها أنواركم فلم تشعروا بها. الصراط على هذا هو على متْنِ جهنم يمر الناس عليه بأعمالهم، وقال بعض العلماء: إن سيرهم على الصراط الحسي الذي في الآخرة على قدر سيرهم على الصراط المعنوي الذي في الدنيا المذكور في قوله تعالى: { وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } (الصافات:118) { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ } (الأنعام:153) { صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } (الشورى:53) . |