قوله : ( أمته خير الأمم، وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام ، وأفضل أمته أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم علي المُرتضى رضي الله عنهم أجمعين ؛ لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : { كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حيّ: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي فيبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكره } رواه البخاري في فضائل الصحابة برقم (3655) بلفظ "كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم"، وأبو داود في السنة برقم (4614، 4615) وليس في روايتيه ذكر "علي" ولا قوله "فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره". , وصحت الرواية عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: { خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ولو شئت سميت الثالث } رواه البخاري في فضائل الصحابة برقم (3655، 3671)، وأبو داود في السنة برقم (4616)، والإمام أحمد في مسنده (1/106، 110) ، وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر } ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/43، 44)، وقال رواه الطبراني في الأوسط، وفيه إسماعيل بن يحيى التيمي، وهو كذاب. وهو أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لفضله وسابقته، وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة على جميع الصحابة رضي الله عنهم، وإجماع الصحابة على تقديمه ومبايعته، ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة. ) شرح: تقدم معرفة حق النبي صلى الله عليه وسلم، وأن من فضله أنه أول من يستفتح باب الجنة، ثم من فضله فضل أمته، فأمته خير الأمم، وورد في الحديث: { إنكم توفون -أي: تكملون- سبعين أمة أنتم خيرها وأفضلها عند الله } رواه الإمام أحمد في المسند (5/2). . وقد ذكر ابن كثير - رحمه الله - أحاديث فضل هذه الأمة في تفسيره عند قوله تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } (آل عمران:110) فإن هذه الآية نص على أن هذه الأمة خير الأمم؛ لأن نبيها خير الأنبياء، ومن فضلها أنهم يسبقون إلى الخيرات وإلى الجنة، فأول من يدخل الجنة هذه الأمة ، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: { نحن الآخرون السابقون يوم القيامة } رواه البخاري في الوضوء برقم (238) ورواه مسلم في الجمعة (855). الآخرون وجودًا والسابقون حقيقة إلى دار الكرامة، وذلك لشرف نبيهم ، يكون من فضلهم أنهم يدخلون الجنة قبل الأمم السابقة. ووردت الأدلة الكثيرة في ذلك ومنها ما ورد في الحديث من أنه صلى الله عليه وسلم قال: { عرضت علي الأمم، فجعل يمر النبي ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان، والنبي ومعه الرهط، والنبي وليس معه أحد، ورأيت سوادًا كثيرًا عظيمًا سدّ الأفق، فرجوت أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر، هكذا وهكذا فرأيت سوادًا كثيرًا عظيمًا، فقيل لي: هؤلاء أمتك ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب } رواه البخاري في الطب برقم (5752) ورواه مسلم في الإيمان برقم (220). . وغيرها من الأحاديث التي فيها فضل هذه الأمة وكثرتها. وقال صلى الله عليه وسلم: { ما من نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة } رواه البخاري في فضائل القرآن برقم (4981) ووراه مسلم في الإيمان برقم (152). يعني: أن آيته ومعجزته هذا القرآن، ولذلك يرجو أن يكون أكثرهم أتباعًا؛ وذلك لأن الأنبياء الذين قبله إنما كان أتباعهم الذين صدقوهم قلة قليلة. ولو كنا في هذه الأزمنة نجد أن النصارى أكثر من المسلمين وجودًا، ولكن ليسوا حقيقة من أتباع المسيح عليه السلام ، بل من الذين يعبدون المسيح ويقولون هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة، فالحاصل أن هذه الأمة خير الأمم وأفضلها. ثم لا شك أيضا أن الأمة بعضها أفضل من بعض، ولا شك أن أفضل هذه الأمة هم صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن أصحابه لهم الميزة ولهم الفضل على من بعدهم. وقد وردت الأدلة تشهد بفضل الصحابة؛ منها قوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } (التوبة:100) ومنها قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } (الأنفال:72) إلى قوله تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } (الأنفال:74) نص في فضل المهاجرين والأنصار، فالذين آووا ونصروا هم الأنصار، والذين هاجروا وجاهدوا هم المهاجرون. وذكرهم الله تعالى بقوله: { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ } (التوبة:117) وكذلك قسمهم إلى ثلاثة أقسام في سورة الحشر في قوله تعالى : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ } (الحشر:8) وقوله تعالى: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ } (الحشر:9) ثم قال تعالى: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ } (الحشر:10) . فهذه آيات استوفت الصحابة رضي الله عنهم، وكلها شاهدة بفضلهم، ولو لم يكن من فضلهم إلا أنهم الذين سبقوا إلى الإيمان، وصدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنهم فازوا بصحبته، وحملوا شريعته، وتعلموا منه الأحكام، ونقلوا إلى الأمة ما تحملوه، ولهم فضل على من بعدهم؛ حيث إنهم حفظوا هذه الشريعة ، هذا من جهة. ومن جهة ثانية : لا يدرك فضلهم فيها، وما بذلوه من الأموال والأنفس ؛ حيث بذلوا أموالهم في سبيل الله تعالى، ورخصت عندهم بلادهم وأولادهم وأحفادهم وأقاربهم وكل ما يملكونه، أنفقوه كله في سبيل الله تعالى ، ثم قاموا بالجهاد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك بعده في عهد الخلفاء الراشدين، فتح الله بهم القلوب، وفتح بهم البلاد، وامتدت بهم رقعة الإسلام، وفتحوا أقاصي البلاد وأدانيها، ودعوا إلى الله تعالى ، ودخل الناس في دين الله أفواجًا بسبب دعوتهم وإعانة الله تعالى لهم وتوفيقهم، لا شك أن هذا لا يدركهم فيه مَن بعدهم، وهذا يعمهم جميعًا. |