49- والجنة والنار مخلوقتان قد خُلِقَتَا كما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- { دخلت الجنة فرأيت قصرًا } { ورأيت الكوثر } { واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها ... كذا } { واطلعت في النار فرأيت ... كذا وكذا } وردت بعض هذه الألفاظ في حديث الإسراء الطويل، وحديث خسوف الشمس، وغيرها من الأحاديث: (أ) حديث الإسراء، عن أبي ذر -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "... ثم أُدخلت الجنة، فإذا فيها حبايل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك". أخرجه البخاري برقم (349)، ومسلم برقم (163). (ب) حديث خسوف الشمس، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "... ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضًا حيث رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها عمرو بن لحي وهو الذي سيب السوائب". أخرجه البخاري برقم (1212). حديث خسوف الشمس أيضًا، عن عبد الله بن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ".. إني رأيت الجنة، أو أريت الجنة، فتناولت عنقودًا.. ورأيت النار فلم أَرَ كاليوم منظرًا قط، ورأيت أكثر أهلها النساء". أخرجه البخاري برقم (5197). (د) وعن عمران -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء". أخرجه البخاري برقم (5198). وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تثبت أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأى الجنة ورأى النار، ولا شك أن كونه -صلى الله عليه وسلم- رآهما يعني أنهما مخلوقتان وموجودتان وإلا فكيف يرى ويطلع على شيء لم يُخلق بعد؟! وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة بأن الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان الآن. فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذِّبٌ بالقرآن من الآيات التي تثبت أن الجنة والنار مخلوقتان، قوله -تعالى- عن الجنة: { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران: 133 ] ، وقوله عن النار: { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ البقرة: 24 ]. وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد سبق الإشارة إلى شيء من هذه الأحاديث. ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار قال الشيخ ابن جبرين: نعتقد أن الجنة حق، وأن النار حق، فالجنة دار كرامته -تعالى- يُنعم بها أولياءه، والنار دار إهانته يُعذب بها أعداءه، ولكل منهما ملؤها، والقرآن مملوء من ذكر الجنة والنار وما فيهما من النعيم والجحيم. وهما موجودتان الآن، كما قال -تعالى- عن الجنة: { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران: 133 ] ، وعن النار: { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ البقرة: 24 ] ، أي هُيِّئت وأوجدت، وقال في حق آل فرعون: { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رآهما وهو في صلاة الكسوف وغيرها، ورأى من فيهما، ووصفهما بما يوجب القطع بوجودهما الآن. وتكاثرت الأدلة على أبدية الجنة والنار، وأنهما لا تفنيان، ولا ينقطع ما فيهما أبدًا وسرمدًا، قال -تعالى-: { لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } [ التوبة:21، 22 ] ، وقال: { وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ } [ المائدة: 37 ]. اهـ (من كتاب التعليقات على متن لمعة الاعتقاد للشيخ ابن جبرين، صفحة 156، 157). . هذا أيضًا من الإيمان باليوم الآخر، أي: الإيمان بأن الجنة موجودة الآن مخلوقة، وكذلك النار خلافًا لبعض الفلاسفة والمعتزلة ونحوهم، الذين يقولون: إنما يُنْشِئهما الله في يوم القيامة، وأما الآن فليستا بموجودتين، فإذا كانت الأحاديث صريحة بأنه -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر بأنه دخل الجنة، ورأى فيها كذا وكذا، وأُري النار، ورأى فيها كذا وكذا، فهذا دليل على أنهما موجودتان ومخلوقتان، وإنما يوم القيامة يخرجان في قول الله -تعالى- { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } يعني: أظهرت وبرزت الجحيم للغاوين، ففي يوم القيامة تبرز، ويقول في الحديث: { يُجاء يوم القيامة بجهنم } أخرجه مسلم برقم (2842) في الجنة، باب: "في شدة حر نار جهنم..." عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها". يعني: تفسيرًا لقوله -عز وجل- { وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } يُجاء بها يجرها الملائكة، كما أخبر في الحديث. |