رابعا : محبته الصادقة بالقلب والقالب. بل تقديمها على ما سواها. قال الله تعالى : { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } . فانظر كيف وبخهم على تقديم شيء من هذه الأصناف الثمانية، التي تميل إليها النفس عادة، وتؤثر الحياة لأجلها على محبة الله ومحبة رسوله، وتوعدهم بقوله { فَتَرَبَّصُوا } إلخ ، أي : انتظروا أمر الله وهو أثر سخطه وغضبه، بما ينزل من العقوبة، وفي ذلك أبلغ دليل على وجوب محبة الله تعالى، ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وقد أكد ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنته، كقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس: { ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار } متفق عليه رواه البخاري كما في الفتح: 1/77 برقم (16)، في الإيمان، باب "حلاوة الإيمان". ومسلم برقم (43)، في الإيمان، باب "بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان". وفي الصحيحين أيضا: عن أنس -رضي الله عنه- قال:قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- { لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين } رواه البخاري كما في التفح: 1/75 برقم (15)، في الإيمان، باب (حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان"، ومسلم برقم (44)، في الإيمان، باب "وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.." إلخ . . ولما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- { والله لأنت أحب إلي من كل شيء، إلا من نفسي قال: "لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فقال رضي الله عنه: والله لأنت أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي. فقال: الآن يا عمر } رواه البخاري رواه البخاري كما في الفتح: 11/532 برقم: (6632)، في الإيمان والنذور، باب (كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم". . وقد ورد في الحديث أن من ثواب محبته -صلى الله عليه وسلم- الاجتماع معه في الآخرة، وذلك لما سأله رجل عن الساعة فقال: { ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها إلا حب الله ورسوله. فقال: أنت مع من أحببت } رواه البخاري كما في الفتح: 13/140 برقم: (7153) في الأحكام، باب "القضاء والفتيا في الطريق"، عن أنس رضي الله عنه. . وفي الصحيحين: عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : { المرء مع من أحب } رواه البخاري كما في الفتح: 10/573 برقم: (6168) في الأدب، باب "علامة الحب في الله". ومسلم برقم: (2640)، في البر والصلة، باب "المرء مع من أحب". وكفى بذلك ثوابا وأجرا لهذه المحبة، ولكن المحبة الصادقة تستلزم الاقتداء به والتأدب بآدابه، وتقديم سنته على رضا كل أحد، وتستلزم أيضا محبة من يحبه ويواليه، وبغض من يبغضه ويعاديه، ولو كان أقرب قريب، فمن استكمل ذلك فقد صدق في هذه المحبة، ومن خالفه أو نقص شيئا من ذلك نقصت محبته بقدر ذلك. |