وسئل فضيلته: هل هناك وقت لزيارة المقابر، فقد سمعنا أن زيارتها في الليل سنة؟ فأجاب: ليس هناك وقت محدد لزيارة المقابر، إلا أن بعض العلماء يستحب زيارتها يوم الجمعة، وبعضهم يوم السبت، ولكن متى تيسر لك أن تزورها في أي وقت فافعل، ولا عليك أن تحدد وقتًا من الأوقات. وزيارة القبر مشروعة لتذكر الآخرة، والدعاء للأموات، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن زيارة القبور في أول الأمر، لما كان الصحابة حديثو عهد بالجاهلية مخافة الغلو، ولما اطمأنوا وعرفوا التوحيد، رخص لهم، وقال: { زوروا القبور فإنها تذكّر الموت } جزء من حديث رواه مسلم برقم (978) في الجنائز، باب "ترك الصلاة على القاتل نفسه". عن أبي هريرة رضي الله عنه. . فمتى أحس الإنسان في قلبه قسوة، فإن عليه أن يزورها ليعتبر ويتذكر، ويدعو للأموات متى تيسر له في صباح الجمعة، وهو الأفضل أو غيرها من الأوقات. أما زيارتها في الليل، فلا أذكر دليلًا عليه، ولا أذكر أن أحدًا استحبه، بل قد ورد كراهة الدفن ليلًا عند كثير من العلماء، والآخرون قالوا: لا بأس بالدفن ليلًا إن شاء الله أما عن الدفن ليلا فقد ورد في ذلك أحاديث تمنع الدفن ليلا وأحاديث تجيز ذلك ومن ذلك: 1- ما رواه مسلم برقم (943) في الجنائز، باب "في تحسين كفن الميت". عن جابر بن عبد الله قال: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل، وقبر ليلا، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه إلا ان يضطر إنسان إلى ذلك". ب- وما رواه ابن ماجة برقم (1521) في الجنائز، باب "ما جاء في الأوقات التي لا يصلى... إلخ". عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطرواه". جـ- وما رواه البخاري كما في الفتح: 3/141 - برقم (1247) في الجنائز، باب "الأذن بالجنازة". عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فمات بالليل، فدفنوه ليلا. فلما أصبح أخبروه، فقال: ما منكم أن تعلموني؟ قالوا: كان الليل فكرهنا -وكانت ظلمة- أن نشق عليك. فأتى قبره فصلى عليه". د- ما رواه أبو داود برقم (3164) في الجنائز، باب "في الدفن بالليل". عن جابر بن عبد الله قال: رأى ناس نارا في المقبرة: فأتوها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، وإذا هو يقول: "ناولني صاحبكم. فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر". هـ- ما رواه الترمذي برقم (1057) في الجنائز، باب "ما جاء في الدفن بالليل". عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا. فأسرج له سراج. فأخذه من قبل القبلة، وقال: رحمك الله! إن كنت لأواها تلاء للقرآن" وكبر عليه أربعا". قال الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا. وقالوا: يدخل الميت القبر من قبل القبلة، وقال بعضهم: يسل سلا. ورخص أكثر أهل العلم في الدفن بالليل. و- ما رواه ابن ماجة برقم (1520) في الجنائز، باب "ما جاء في الأوقات التي لا يصلى... إلخ". عن ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل رجلا قبره ليلا، وأسرج في قبره". قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد بتحقيق شعيب وعبد القادر الأرنؤوط 3/569: -عند كلامه على غزوة تبوك-، قال: ومنها: جواز الدفن بالليل، كما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا البجادين ليلا. وقد سئل أحمد عنه، فقال: وما بأس بذلك. وقال: أبو بكر دفن ليلا، وعلي دفن فاطمة ليلا. وقالت عائشة: سمعنا صوت المساحي من آخر الليل في دفن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. ودفن عثمان، وعائشة، وابن مسعود ليلا. وفي الترمذي عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا، فأسرج له سراج، فأخذه من قبل القبلة، وقال: "رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن". قال الترمذي: حديث حسن. وفي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن رجل فقال: "من هذا؟" قالوا: فلان دفن البارحة؛ فصلى عليه. فإن قيل: فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما، فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل، وقبر ليلا، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك". قال الإمام أحمد: إليه أذهب. قيل: نقول بالحديثين بحمد الله، ولا نرد أحدهما بالآخر، فنكره الدفن بالليل؛ بل نزجر عنه إلا لضرورة أو مصلحة راجحة، كميت مات مع المسافرين بالليل؛ ويتضررون بالإقامة به إلى النهار، وكما إذا خيف على الميت الأنفجار، ونحو ذلك من الأسباب المرجحة للدفن ليلا وبالله التوفيق. . |