ثم قال الكاتب: [حتى أشرقت على قلبه شمس المعارف الربانية، فأصبح القلب ينبوعا من ينابيع الأنوار، والأسرار، والحكم الربانية.. إلخ]. نقول: هذا غير صحيح؛ فإن ذلك يستلزم تفوقه على الرسل، والملائكة، واستغناءه عن الشريعة وعلومها، فإن الينبوع هو الماء النابع من الأرض، فمعنى ذلك أن شمس المعارف الربانية، والعلوم الدينية قد أشرقت على قلوب الصوفية، وسطعت فيها فاستنارت بها فأصبح ينبوعا للأنوار، والأسرار، يعني: معدنا تنبع منه الأنوار الإلهية، وتنفجر منه عيون الحكمة، وتتوارد عليه الأسرار، والحكم الربانية فتغنيه عن العلوم الشرعية. ونحن لا ننكر أن الله تعالى قد يفتح على بعض العباد إفهاما، وحكما، وأسرارا في كتابه أو شرعه، كما في قوله تعالى: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ } ؛ حيث جعل التقوى سببا للتعليم، فالله تعالى قد يرزق بعض عباده الأتقياء والصالحين علوما وأفهاما، وأسرارا في كتابه أو في شرعه، ولكنها مستنبطة من القرآن والحديث، ومن الحكم العامة التي لأجلها شرعت الشرائع وتنوعت الأوامر والأحكام، ولا تصل إلى الوصف الذي يذكره الكاتب من إشراق شمس المعارف .. إلخ، فإنه مع ما فيه من المبالغة، والإطراء غير صحيح، فإن القلب البشري لا يتصور أن يصبح ينبوعا من ينابيع الأسرار، والأنوار، والحكم الربانية، وذلك لقصر الإنسان عن هذا الوصف مهما فتح عليه من العلوم، والمعارف، مع أن هذا الوصف ليس خاصا بالمتصوفة، بل هناك علماء الأمة وعبّادها قاموا بحقوق ربهم ووقفوا عند حدوده، وعبدوه حق عبادته، قد فتح الله على قلوبهم من الفهم والإدراك والحفظ والاستنباط الشيء الكثير، كما حصل للأئمة الأربعة وللمحدثين والفقهاء من صدر هذه الأمة، وهم مع ذلك لم ينقطعوا عن الشهوات والملذات، ولم يدخلوا في عداد الصوفية، ولا توغلوا في إشاراتهم ورموزهم، بل هم متقيدون بنصوص الشريعة وبتعاليم ربهم، ومتبعون لسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- وذلك هو الفضل العظيم. |