ولا شك أن في العراق كثير من المحبين لعلي الذين ألفوه في حياته وأحبوه محبة صادقة، هؤلاء إما أن يكونوا معتدلين في حبه، وإما أن يكونوا من أتباع الغلاة، ولا شك أنهم إذا سمعوا هؤلاء الخطباء يلعنونه على المنبر في العراق وفي الشام يسوءهم ذلك، ويحبون أن يكون لهم أتباع، وأن يكون لهم على ما هم عليه من يشجعهم، فإذا سمعوا ذلك أخذوا في مجالسهم يذكرون فضائل علي ثم دخل بينهم الغلاة، فصار أولئك الغلاة في مجالسهم الخاصة التي هي من مجالس أتباع علي أو المحبين لعلي يكذبون ويغلون بالكذب ويولدون، فبدل أن يذكروا فضائله الصحيحة ومزاياه ومدائحه التي مدحه بها النبي صلى الله عليه وسلم، صاروا يضيفون إلى ذلك أكاذيب ليست بحقيقة. ولعلي رضي الله عنه فضائل، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: { أنت مني بمنزلة هارون من موسى } متفق عليه، البخاري (3706) ومسلم (2404)، وانظر كلام شيخ الإسلام في رد استدلالهم بهذا الحديث في مجموع الفتاوى (4- 416). ولكن هؤلاء لم يقنعوا بذلك، بل صاروا يزيدون، فصارت مجتمعاتهم التي يجتمعون فيها لا يذكرون فيها إلا فضائل على، فلا يرون من يقتنعون بقولهم، فيكذبون أكاذيب. فمثلا حديث غدير خم غدير خم: موضع بين مكة والمدينة تصب فيه عين هناك، وبينهما مسجد للنبي صلى الله عليه وسلم. النهاية 2-81، وشرح النووي على مسلم 16- 176 ومعجم البلدان 2- 445. الذي يجعلونه ديدنهم يزيدون فيه، فحديث غدير خم فيه أنه صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال: { أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي } صحيح مسلم (2408). قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى 4- 418): وأما قوله يوم غدير خم: " أذكركم الله في أهل بيتي " فليس من الخصائص، بل هو مساو لجميع أهل البيت. وهؤلاء هم أبعد الناس عن هذه الوصية؛ لأنهم يعادون العباس وذريته، بل يعادون جمهور أهل البيت، ويعينون عليهم الكفار. هذا هو الثابت، ولكن لم يقتصروا عند هذا، بل صاروا يضيفون إليه زيادات مكذوبة حتى ألفوا كتبًا في هذا الحديث، وجعلوه بألفاظ عديدة، فقالوا: إنه قال: { مَن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال مَن والاه، وعاد من عاداه } انظر كلام العلماء في بطلان هذه الزيادات في مجموع الفتاوى 4- 417. . وذكروا في أكاذيبهم أن عليًّا مكتوب اسمه على قائمة العرش، وأنه ممن خلقه الله وقرنه باسم محمد أو فضله على خلقه، وأنه وزوجته مكتوبان في غرف الجنة كلها، وأنه، وأنه..، أكاذيب يلفقونها، وهذه الأكاذيب التي يكذبونها ويروجونها إذا سمعها تلامذتهم وأنصارهم أخذوا يروونها، وإذا سمعها الآخرون فماذا يقولون؟ لا شك أنهم يقولون: كيف تكون هذه مزاياه وهذه فضائله ويتقدم عليه غيره؟ ويكون غيره أفضل منه؟ كيف قدم عليه أبو بكر وعمر وعثمان ؟ لا بد أن يكون هو الأفضل، وهو الإمام. ولما سمعوا تلامذتهم ومن كان حولهم يتكلمون بهذا أرادوا أن يسكتوهم، فقالوا: هلموا فلنكذب أكاذيب نسكت بها تلامذتنا حتى لا ينكروا علينا ما نحن فيه، فكذبوا أكاذيب لفقوها رموا بها أبا بكر وعمر وعثمان وبقية الصحابة، وادعوا أنهم مغتصبون،وادعوا أنهم خونة، وادعوا أنهم ظلمة، فامتلأت كتبهم بالسب والحمل على هؤلاء الصحابة، وهى أكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان، سببها ومبدأ أمرها التسكيت لأتباعهم حتى لا ينكروا عليهم. ولما اشتهرت هذه الأكاذيب فيما بينهم اعتقد تلامذتهم كفر أئمة الصحابة، واعتقدوا أن الصحابة ليسوا على هدى حيث إنهم بايعوا غير الإمام الحق،وخلعوا الإمام الحق - وهو علي - من إمامته، وبايعوا أبا بكر وهو مغتصب ظالم، وبايعوا أيضًا عمر وهو ظالم ليس له حق، فجعلوهم بذلك مرتدين، وأبطلوا بذلك فضائلهم التي رُويت في كتب الصحابة، ورواها أئمة الصحابة، وخُرّجت في الصحيحين وغيرهما، وقالوا: إن فضائلهم التي وردت في القرآن بطلت بمجرد ردتهم، بعد موت محمد صلى الله عليه وسلم، وردتهم أنهم منعوا عليًّا من حقه، منعوا عليًّا من أن يكون هو الإمام، وبايعوا مغتصبًا ظالمًا هو أبو بكر هكذا كانت أقوالهم، وهكذا رسخت هذه العقيدة في نفوسهم، وتوارثوها وأخذوا ينقلونها في آخر القرن الأول وفي أول القرن الثاني، يتناقلون هذه الأكاذيب ثم ينقلون فضائل علي ويبالغون فيها، وفضائل الحسن وفضائل الحسين وفضائل ابن الحنفية وفضائل زين العابدين وأولادهم، وأحفادهم وأولاد أولادهم، ويكذبون في فضائلهم أكاذيب لا تليق بعاقل ولا يصدقها ذو عقل سليم، ولو قرأتم في كتبهم التي يروونها لعجبتم كيف يصدقون بهذه الأكاذيب، كيف تروج عليهم؟ ولكن سلبت عقولهم، فلأجل ذلك يقول بعض العلماء: إنهم لا خلاق لهم، ويذكرون أنهم ليس لهم عقول، فلا يصدق تلك الأكاذيب إلا من طمست بصيرته. كل ذلك مذكور في الردود التي ردت عليهم، ولو قرأتموها لعجبتم كيف يصدقون بهذه الأكاذيب، ولا يزالون على هذا المعتقد إلى هذا اليوم وللأسف، مع تفتح الناس وتبصرهم لا يزالون يروون ويتداولون في كتبهم تلك الأكاذيب، حملوا عليها أو أولوا عليها الآيات القرآنية التي وردت في القرآن، فمثلا: ذكر بعض الإخوان أنه اطلع على تفسير كبير موجود عندهم لأحد أئمتهم قرأ قول الله تعالى: { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ } فسّر (البحرين) بأنهما عليٌّ وفاطمة { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ } علي وفاطمة التقيا، أي: بالنكاح. { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } اللؤلؤ والمرجان هما: الحسن والحسين اللذان خرجا من علي وفاطمة هكذا راجت هذه الأكاذيب بالنسبة إلى مديحهم. |