السؤال : س 37 قام المركز الإسلامي في مدينتنا بتنظيم محاضرة للنساء، وقام المحاضر بإلقاء المحاضرة مباشرة من دون حاجز أو حجاب رغم معارضة بعض النساء لذلك وعدم رضاهن، ورغم وجود نساء كاشفات لوجوههن وأيديهن، وكان بالإمكان إلقاء المحاضرة من وراء ستار، ونتيجة لذلك حدثَ نقاش طويل بين بعض المسلمين عندنا، خصوصا وأن إدارة المسجد ممثلة في اللجنة المنظمة رفضت أن يقوم أحد طلبة العلم في نفس اليوم بإلقاء محاضرة من وراء حجاب، وقد زاد من الخصومة أن المحاضر قال: (إن آية { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } خاصة نزولا وحكما بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يجوز تطبيقها على غيرهن؟ وقال أيضا إجابة على سؤال حول الاختلاط: (إن المحرَّم شرعا هو الخلوة فقط، ولذلك لا مانع من استضافة المرأة للرجل الأجنبي في حال عدم الخلوة ؟) وقال أيضاً: (إنه لا يرى أن تنتقب المرأة في البلاد الغربية حتى لا تعطي صورة غير مقبولة عن الإسلام)؟ السؤال: ما رأيكم فيما حدث؟ وهل يجوز ذلك شرعا ؟ وما رأيكم فيما قاله المحاضر حول الاختلاط والنقاب ؟ وهل يجوز الإنكار عليه؟ أفيدونا مأجورين. الجواب : لا شك أن ما فعله هذا المحاضر لا يجوز في الإسلام، فإن وقوف الرجل أمام النساء المتبرجات من أعظم أسباب الفتنة ولو أمنه هذا الرجل لم يأمنه غيره، ومتى فتح الباب لهم توصلوا إلى المحظور من النظر المحرم وما يجره من الفواحش، وقد نهى الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم عن التبرج بقوله: { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } وهذا الخطاب يعم كل المؤمنات لأن الله ذمّه بإضافته إلى الجاهلية، والتبرج هو إبداء الزينة ولا شك أن الوجه هو مجمع محاسن المرأة وبه تحصل الفتنة ويحصل التقارب، فإن بقية جسدها قد لا يحصل به تفاوت بين النساء ولا شك أن النساء فتنة لكل مفتون، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: { اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء } الحديث أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب بيان الفتنة بالنساء (17/55) وهو من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدنبا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"، وأخرجه الإمام أحمد في المسند عن أبي سعيد الخدري (4/45، 11169)، وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء"، فقد أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب ما يتقى من شؤم المرأة (9/41، 5096)، وهو عند مسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب بيان الفتنة بالنساء (17/54) واللفظ له. أخرجه أحمد وهو عند مسلم ولما أذن لهن في الصلاة في المسجد قال: { وليخرجن تفلات } الحديث أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المساجد (1/381، 565)، وهو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات"، وأخرج الإمام أحمد من حديث زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله المساجد وليخرجن تفلات" (8/158، 21732)، وهو عند الهيثمي في مجمع الزوائد في كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد وغير ذلك وصلاتهن في بيوتهن وصلاتهن في المساجد (2/32)، وقال: رواه أحمد والبزار والطراني في الكبير وإسناده حسن. اهـ وأما قوله: تفلات: أي غير متطيبات، قال الخطابي في معالم السنن: التفل: سوء الرائحة، يقال امرأة تفل: إذا لم تطيب ونساء تفلات اهـ. من معالم السنن المطبوعة مع سنن أبي داود (1/381). أخرجه أحمد وأبو داود . وقال: { وبيوتهن خير لهن } الحديث أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (1/382، 567) ولفظه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن" والجملة الأولى من الحديث مخرجة في الصحيحين، فقد أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس (2/404، 865) ولفظه: "إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن" وقد جاء عنده في عدة مواضع أخرى، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب خروج النساء الى المساجد (4/161) وقد أورده من عدة طرق، وعلى كل حال فإن الزيادة التي عند أبي داود صححها الألباني في إرواء الغليل (2/293، 515) وبين هنالك صحة طرقها وتقويتها ببعضها البعض فلتراجع للفائدة. وذكرت عائشة أنه يشهد صلاة الفجر نساء متلفعات بمروطهن جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس". أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب انتظار الناس قيام الإمام العالم (2/406، 867)، وأخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها (5/144)، واللفظ له. أخرجاه في الصحيحين وقالت عائشة { لو شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدثه النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل } الحديث أخرجه الشيخان وغيرهما، فهو عند البخاري في كتاب الأذان، باب انتظار الناس قيام الإمام العالم (2/406، 867)، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد (4/163-164)، ولفظ البخاري: لو أدرك ولم يأت في روايته لفظة المساجد، وأما رواية مسلم فهي: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل، قال: فقالت عمرة: أنساء بني إسرائيل منعن المساجد؟ قالت: نعم. أخرجه الشيخان ولما أمرهن بالخروج لصلاة العيد قلن: (إحدانا ليس لها جلباب) قال: { لتلبسها صاحبتها من جلبابها } الحديث أخرجه الشيخان في صحيحيهما، فهو عند البخاري في كتاب الصلاة، باب وجوب الصلاة في الثياب (1/554، 351)، وهو من حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: أمرنا أن نخرج الحيض يوم العيدين وذوات الخدور، فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم، ويعتزل الحيض عن مصلاهن، قالت امرأة: يا رسول الله إحدانا ليس لها جلباب! قال: "لتلبسها صاحبتها من جلبابها"، وأخرجه مسلم في كتاب صلاة العيدين، باب إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى (6/179، 180) وهو بلفظ: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب! قال: "لتلبسها أختها من جلبابها". والجلباب هو الرداء الذي تلتف به امتثالا لقوله تعالى: { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } فالمرأة إذا تسترت واحتشمت عرفت بصفتها وحيائها ودينها فلا يتجرأ أحد أن يؤذيها معاكسة أو مكالمة أو ممازحة، ولذلك نهيت المرأة عن السفر بدون محرم حتى لا تتعرض لأذى من ذوي النفوس الرديئة، وأما قوله تعالى: { فَاسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } فهو وإن كان خطابا لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وذلك لوجود العلة التي في قوله تعالى: { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } . فإذا كان هذا الطمع في أمهات المؤمنين فلا بد أن يكون في غيرهن بطريق الأولى، فإن الله اختار لنبيه أفضل النساء وأعفهن ومع ذلك أمرهن بالحجاب ونهاهن عن الخضوع بالقول صيانة لهن، فغيرهن أولى بالصيانة والتحفظ والبعد عن أسباب العهر والفتنة، وعلى هذا فيحرم أن تستضيف المرأة رجلا أجنبيا ولو كان معه رجال أو معها نساء إذا كان هناك سفور وتبرج وعدم محرم للمرأة، وقد وردت الأدلة على النهي عن خلوة الرجل بالمرأة إلا مع ذي محرم ومنه ما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا!! قال: "انطلق فحج مع امرأتك" أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم (9/242، 5232)، وأخرجه مسلم في كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره (9/109) واللفظ له. ، ولم يفرق بين وجود النساء أو الرجال الأجانب، وعلى هذا فإذا احتيج إلى إلقاء محاضرة للنساء فلا بد من حاجز وستار قوي يمنع من النظر حتى لا تحصل الفتنة، ويلزم المرأة أن تستر جميع بدنها بما في ذلك الوجه واليدان أمام الرجال الأجانب، ولو كانت في بلاد الكفار حتى تظهر شعائر الإسلام وذلك يعطي صورة حسنة عن الإسلام وأهله، ولا عبرة بمن استغرب ذلك وأنكره ممن قد يرون المنكر معروفا والمعروف منكرا ، والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. |