السؤال : س 40 هل يجوز للمرأة أن تلقي السلام على رجال أجانب من غير المحارم ولو كانوا معروفين؟ الجواب : يظهر لي أنها لا تسلم عليهم بالقول المسموع وهم أجانب منها، بل تقتصر على الإشارة لعل الشيخ -حفظه الله- يشير إلى الحديث الذي عند أبي داود وهو من حديث ابن أبي حسين سمعه من شهر بن حوشب يقول: أخبرته أسماء ابنة يزيد: مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا. أخرجه في كتاب الأدب، باب في السلام على النساء (ه/383، 5204)، وأخرجه الترمذي في كتاب الاستئذان، باب ما جاء في التسليم على النساء (5/58، 2697) بهذا الإسناد إلا أنه قال: أخبرنا عبد الحميد بن بهرام أنه سمع شهر بن حوشب يقول: سمعت أسماء بنت يزيد تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد وعصبة من الناس قعود فألوى بيده بالتسليم، وأشار عبد الحميد بيده، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الأدب، باب السلام على الصبيان والنساء (2/1220، 3701) ولفظه كما عند أبي داود، وقال الترمذي: حديث حسن. وقال أحمد بن حنبل: لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب. وقال محمد بن إسماعيل: شهر حسن الحديث وقوى أمره، وقال: إنما تكلم فيه ابن عون ثم روى عن هلال بن أبي زينب عن شهر بن حوشب أنبأنا أبو داود المصاحفي بلخى، أخبرنا النضر بن شميل عن ابن عون قال: إن شهرا تركوه، قال أبو داود: قال النضر: تركوه أي طعنوا فيه وإنما طعنوا فيه لأنه ولي أمر السلطان. اهـ من جامع الترمذي (5/85). وللحديث شاهد أخرجه الإمام أحمد في المسند من حديث جرير بن عبد الله (7/54. 19175 و 66، 19234)، ولفظه عن جرير قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على نسوة فسلم عليهن، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد في كتاب الأدب، باب السلام على النساء (8/38) وقال: (رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، وفي أحد إسنادي أحمد عن شعبة عن جابر عن طارق التميمي، وفي الآخر عن شعبة عن جابر عن طارق التميمي عن جرير، وجابر بن طارق ولم أعرفه، وجابر عن طارق فإن كان جابر هؤ الجعفي فهو ضعيف). انتهى كلام الهيثمي، وعلى كل حال فإن سلام الرجال على النساء أو النساء على الرجال فيه خلاف، ولقد عقد البخاري بابا في كتاب الاستئذان باب تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال (11/35) وأخرج فيه حديثين أحدهما من حديث ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل قال: كنا نفرح يوم الجمعة: قلت لسهل: ولم؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلي بضاعة -نخل بالمدينة- فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في قدر وتكركر حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا ونسلم عليها فتقدمه إلينا فنفرح من أجله، وما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة. وأما الحديث الآخر فهو من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة: هذا جبريل يقرأ عليك السلام" قالت: قلت: وعليه السلام ورحمة الله، ترى ما لا نرى، تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ بن حجر في فتح الباري (11/35-36): (أشار بهذه الترجمة إلى رد ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير: بلغني أنه يكره أن يسلم الرجال على النساء والنساء على الرجال. وهو مقطوع أو معضل. والمراد بجوازه أن يكون عند أمن الفتنة. وذكر في الباب حديثين يؤخذ الجواز منهما. وورد في حديث ليس على شرطه، وهو حديث أسماء بنت يزيد: مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا. حسنه الترمذي وليس على شرط البخاري فاكتقى بما هو على شرطه. وله شاهد من حديث جابر عند أحمد -تقدم معنا أن الحديث عند أحمد ليس من حديث جابر كما قال الحافظ ولكنه من حديث جرير بن عبد الله- وقال الحليمي: كان النبي صلى الله عليه وسلم للعصمة مأمونا من الفتنة، فمن وثق من نفسه بالسلامة فليسلم وإلا فالصمت أسلم. وأخرج أبو نعيم في عمل يوم وليلة من حديث واثلة مرفوعا: "يسلم الرجال على النساء ولا يسلم النساء على الرجال" وسنده واه، ومن حديث عمرو بن حريث مثله موقوفا عليه وسنده جيد، وثبت في مسلم حديث أم هانئ: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فسلمت عليه) اهـ. وقال أيضا: (وقال ابن بطال عن المهلب: سلام الرجال على النساء والنساء على الرجال جائز إذا أمنت الفتنة، وفرق المالكية بين الشابة والعجوز سدا للذريعة، ومنع منه ربيعة مطلقا. وقال الكوفيون: لا يشرع لنساء ابتداء السلام على الرجال لأنهن منعن من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة، قالوا: ويستثنى المحرم فيجوز لها السلام على محرمها. قال المهلب: وحجة مالك حديث سهل في الباب، فإن الرجال الذين كانوا يزورونها وتطعمهم لم يكونوا من محارمها. انتهى. وقال المتولى: إن كان للرجل زوجة أو محرم أو أمة فكالرجل مع الرجل، وإن كانت أجنبية نظر: إن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لم يشرع السلام لا ابتداء ولا جوابا، فلو ابتدأ أحدهما كره للآخر الرد، وإن كانت عجوزا لا يفتتن بها جاز. وحاصل الفرق بين هذا وبين المالكية التفصيل في الشابة بين الجمال وعدمه، فإن الجمال مظنة الافتتان، بخلاف مطلق الشابة، فلو اجتمع في المجلس رجال ونساء جاز السلام من الجانبين عند أمن الفتنة) انتهى كلام ابن حجر -رحمه الله-. وقال النووي: وأما النساء فإن كن جميعا سلم عليهن، وإن كانت واحدة سلم عليها النساء وزوجها وسيدها ومحرمها سواء كانت جميلة أو غيرها، وأما الأجنبي فإن كانت عجوزا لا تشتهي استحب له السلام عليها واستحب لها السلام عليه، ومن سلم منهما لزم الآخر رد السلام عليه، وإن كانت شابة أو عجوزا تشتهي لم يسلم عليها الأجنبي ولم تسلم عليه، ومن سلم منهما لم يستحق جوابا، ويكره رد جوابه، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال ربيعة: لا يسلم الرجال على النساء ولا النساء على الرجال وهذا غلط. وقال الكوفيون: لا يسلم الرجال على النساء إذا لم يكن فيهن محرم والله أعلم. اهـ. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي كتاب السلام، باب استحباب السلام على الصبيان (14/149). وقال ابن مفلح المقدسي: (قال ابن منصور لأبي عبد الله -يعني الإمام أحمد- التسليم على النساء؟ قال: إذا كانت عجوزا فلا بأس به. وقال حرب لأحمد: الرجل يسلم على النساء. قال: إن كن عجائز فلا بأس. وقال صالح: سألت أبي: يسلم على المراة؟ قال: أما الكبيرة فلا بأس، وأما الشابة فلا تستنطق. فظهر مما سبق أن كلام أحمد الفرق بين العجوز وغيرها) اهـ. انظر الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/375). وقال يحيى: سئل مالك هل يسلم على المرأة؟ فقال: أما المتجالة فلا أكره ذلك، وأما الشابة فلا أحب ذلك. اهـ انظر موطأ الإمام مالك في كتاب السلام، باب العمل في السلام، الحديث رقم 1789 صفحة 637. وقال المباركفوري: وهذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين اللفظ والإشارة. اهـ انظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، كتاب الاستئذان، باب ما جاء في التسليم على النساء (7/475، 2893). وعلى كل حال فإن الذي اتضح لي من كلام الشيخ -حفظه الله- أنه يقصد به أنه إذا أمنت الفتنة وسلم الرجل أو المرأة من الفتنة فلا مانع من إلقاء السلام بالقول المسموع وأما الإشارة فلم أجد أحدا تكلم بهذا من أهل العلم، وعليه فإن إشارة المرأة للرجال بالسلام أمر فيه من الفتنة ما الله به عليم وخاصة في زماننا هذا فإنه يحمل على مقاصد يتنزه الإنسان عن ذكرها. وأما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألوى بيده وسلم على النساء فإن هذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان مأمونا من الفتنة، وقد تقدم معنا من كلام الحليمي بنحوه، وعليه فإن إشارة المرأة للرجل بالسلام أمر يؤدي إلى الفتنة وربما استغله بعض ضعفاء النفوس في أمور محرمة فلتحذر المرأة من ذلك ولتقتصر على النية فهي الأقرب إلى الصواب والاحتشام والأئمن من الفتنة والله أعلم. أو النية، فإن كلام المرأة قد يكون فتنة لبعضهم، ولذلك نهيت عن رفع صوتها عند الرجال جاء نهي المرأة عن رفع الصؤت وعن الخضوع والميوعة في الكلام أمام الرجال الأجانب خشية الافتتان بهن ولذلك قال تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا). وفي الصلاة لا تسبح للإمام بل تصفق بيديها ومنه ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابها شيء في الصلاة (4/148). وفي التلبية لا ترفع صوتها بها قال ابن عبد البر: (أجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها، وإنما عليها أن تسمع نفسها، وبهذا قال عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وروي عن سليمان بن يسار قال: السنة عندهم أن المراة لا ترفع صوتها بالإهلال وإنما كره لها رفع الصوت مخافة الفتنة بها) اهـ. نقله عنه ابن قدامة في المغني (3/310) كتاب المغني المطبوع مع الشرح الكبير. ولا تتولى وظيفة الأذان ونحو ذلك لقد اتفق أهل العلم على أن المرأة لا تتولى الأذان ولا يشرع في حقها، ذكره الوزير عون الدين ابن هبيرة في كتابه الإفصاح عن معاني الصحاح، باب الصلاة، المسألة الثالثة (1/227). ويؤيده قول ابن قدامة في المغني (1/433) باب الأذان، قال: وليس على النساء أذان ولا إقامة. وكذلك قال ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين والنخعي والثوري ومالك وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه خلافا، وهل يسن لهن ذلك؟ فقد روي عن أحمد قال: إن فعلن فلا بأس وإن لم يفعلن فجائز اهـ. وفي الباب عدة أحاديث وبعض الآثار تدل على عدم مشروعية الأذان في حق النساء ذكرها في نفس الباب ولكن لا تخلو من علة أو ضعف، وعلى كل حال فقد خرج هذه الأحاديث والآثار فضيلة الشيخ عبد الله -حفظه الله- في تحقيقه لكتاب شرح الزركشي، باب الأذان (1/515، 417 و 516، 418، 517 و 419). فإن كن نساء سلمت عليهن بقدر ما تسمعهن ورددن عليها السلام المسموع، وكذلك إن مرت بمحارم لها كإخوة وبنين ونحوهم، ولا يشرع للرجل أن يرفع صوته بالسلام على المرأة الأجنبية عند الفتنة ذكر الشيخ الدكتور أحمد بن محمد بن عبد الله أبابطين في كتابه المرأة المسلمة المعاصرة صفحة 422-423 عند كلامه على إجماع الأئمة الأربعة على تحريم مصافحة الرجال النساء غير المحارم فقال: كما أجمعوا على تحريم إلقاء السلام على النساء عند خوف الفتنة، أو ما كان موصلا لها. اهـ وأشار في الهامش إلى بعض المراجع وهي: حاشية رد المختار على الدر المختار (5/244)، وكتاب المنتقى شرح موطأ الإمام مالك (7/280)، وكتاب شمس الدين الرملي المعروف (بالشافعي الصغير) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (6/184) نشر المكتبة الإسلامية - القاهرة، وكتاب غذاء الألباب صفحة 298. والله أعلم . |