(6) منع السفر لمجرد زيارة القبر النبوي ثبت في الصحاح والسنن والمسانيد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى } رواه البخاري عن أبي هريرة برقم 1189 وعن أبي سعيد برقم 1197. ؛ ومعنى ذلك النهي عن السفر إلى بقعة أو موضع لقصد التعبد فيه؛ لاعتقاد أن العمل فيه مضاعف أو له مزية على غيره من المواضع، فدخل في ذلك منع السفر لزيارة القبور ولو قبور الأنبياء، فإنه من اتخاذها أعيادا، والاعتقاد في المقبورين بما يكون وسيلة إلى عبادتهم مع الله -تعالى- كما هو الواقع من المشركين في هذا الزمان وقبله، حيث ينشئون الأسفار الطويلة إلى قبور الأولياء -كما زعموا- أو يتجشمون المشقات، وينفقون الأموال الطائلة، ومتى وصلوا إلى تلك المشاهد كما أسموها حطوا رحالهم، وأخذوا في الهتاف والنداء لأولئك الأموات، وعملوا هناك ما لا يصلح إلا لله رب العالمين؛ من الطواف بتلك الأضرحة والتمسح بترابها، والدعاء لأربابها، والذبح والنحر لها ونحو ذلك؛ فهذا ما خافه -عليه الصلاة السلام- من منعه شد الرحال لغير المساجد الثلاثة. وقد كتب في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- رسالة ذكر فيها اختلاف العلماء في حكم شد الرحال لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، ورجح المنع، وذكر أنه قول ابن بطة وأبي الوفاء بن عقيل والجويني والقاضي عياض وغيرهم، بل هو قول الجمهور، ونص عليه مالك ولم يخالفه أحد من الأئمة، ولكن ليس المراد النهي عن زيارة القبور بدون شد رحل، فقد ورد الترغيب فيها، وأنها تذكر الآخرة، وأن الزائر يدعو للأموات ويترحم عليهم، وهذا يحصل في أقرب مقبرة عنده؛ فإن كل بلد لا تخلو من المقابر، فأما إعمال المطي والسفر إلى بلد بعيد لأجل بقعة أو قبر فإنما يكون ذلك لاعتقاد عظمة ذلك المقبور، وأهليته أن يعظم ويدعى ويرجى، فيصرف له خالص العبادة، فلا جرم ورد النهي عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة، وقد روى الإمام أحمد وغيره عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري أنهما منعا شد الرحل إلى الطور لأجل الصلاة فيه، واستدلا بحديث النهي عن شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد رواه أحمد في المسند 3/64 عن أبي سعيد وذكره الشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد ص 313. وعزاه لأحمد وعمر بن شبة في أخبار المدينة ورواه أحمد 6/7 عن أبي نضرة الغفاري رضي الله عنه. ، مع أن الله ذكر الطور وسماه بالوادي المقدس والبقعة المباركة وكلم عبده موسى هناك وعلى هذا فمن سافر إلى المدينة قاصدا المسجد النبوي الذي تكون الصلاة فيه بألف صلاة فسفره طاعة وقربة، وله بعد الصلاة في المسجد أن يسلم على القبر الشريف، وعلى قبور الصحابة والشهداء، ويدعو لهم، فأما من أنشأ السفر لأجل القبر نفسه، سواء للسلام عليه أو للدعاء عنده فسفره بدعة منكرة، حيث خالف حديث { لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم } فأما الأحاديث المروية في فضل الزيارة للقبر الشريف فكلها ضعيفة أو موضوعة، كما حقق ذلك العلماء، فليتنبه لذلك، والله الموفق. |