وَالمُسْنَدُ المتَّصلُ الإِسنادِ مِن رَاويهِ حَـتى المُصْطفى وَلَمْ يَبنْ الحديث المسند وقوله: (والمسند المتصل الإسناد من ... راويه حتى المصطفى) . اقتصر الناظم هنا على تعريف المصطلحات تعريفا موجزا، دون أن يذكر أكثر من تعريف، ودون أن يذكر شيئا من الخلاف أو كثرة الأقوال، وقد تقدم تعريف الحديث الصحيح، والحسن، والضعيف، والموقوف، والمرفوع، وذكر الناظم في هذا البيت تعريف المسند. فالمسند مشتق من الإسناد، والإسناد هو سلسلة الرجال أي رجال الحديث، وسمي إسنادا لأن بعضهم يسنده عن الآخر وهذا يسنده عن الآخر، كأنه يبرأ من عهدته، إذا حدثك بهذا الحديث فإنه لا يتهم به؛ حيث إنه نقله عن شيخه فلان، فأسنده إليه وسلم من العهدة، وشيخه فلان أيضا سلم من العهدة حيث أسنده إلى شيخ له، وهكذا كل واحد منهم يسنده إلى شيخه، إلى أن يصل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا هو المسند، أي: ما رُوي بالإسناد، بحيث أن كل راوٍ منهم ينقله عن الآخر، ورجال الحديث يسمون إسنادا. الإسناد المتصل: ويُقال: هذا إسناد صحيح، يعني رجاله موثقون، وقد عرفت أن الإسناد معناه إضافة الشيء إلى إنسان، تقول: فلان أسند هذا القول إلى فلان، يعني: أضافه إليه، كأنه كان ملتصقا به، ثم بعد ذلك اعتمد على غيره، واستند على سواه، فالإسناد هو رجال الحديث، بقطع النظر عن كونه فيه فجوات، أو ليس فيه فجوة، فإنه قد يسقط بعض رجاله وهو ما يسمى معلقا أو معضلا، أو منقطعا أو مرسلا، أو مدلسا، وذلك من العيوب التي يطعن بها في الحديث، فأما إذا اتصل رجال الإسناد فهو المتصل، إذا كان كل منهم قد روى هذا الحديث عن شيخ له قد سمعه منه، تقول: هذا إسناد متصل، وضده المنقطع، فالمتصل هو المتواصل، فأنت مثلا إذا خططت خطوطا في الأرض وتركت بينها فرجا قيل: هذا خط متقطع، فإذا وصلت بينها أي: وصلت هذا وهذا، قيل: هذا خط متصل. ومثله خطوط الطرق للسيارات فالمتصل الذي يستمر من هذه البلدة إلى هذه البلدة، أي: متواصل ليس فيه فجوات، أما إذا كان فيه فجوة ولو قدر ذراع، أو قدر عشرين باعا أو مائة قيل: هذا خط منقطع، أو خط متقطع أي: فيه قطع، فالإسناد كذلك، كون كل من الرواة سمع من الآخر واتصل السماع واتصلت الرواية. ومثال ذلك: إن قال مسلم مثلا : حدَّثنا محمد بن رافع -شيخ له قد لقيه وأخذ عنه كثيرا- وابن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق -شيخ له قد لقيه وأخذ عنه كثيرا- وعبد الرزاق قال: حدَّثنا معمر -أحد مشايخ عبد الرزاق- ومعمر قال: حدَّثنا الزهري -وهو قد لقي الزهري وأخذ عنه- والزهري قال: حدثني سالم بن عبد الله -وهو من أشهر مشايخه- وسالم قال: حدثني عبد الله بن عمر -وهو أبوه الذي هو من أشهر تلاميذه من أولاده- نقول: هذا إسناد متصل؛ حيث إننا تحققنا أن كلًّا منهم قد لقي الآخر وقد حدث عنه، وهكذا سائر الأسانيد المتصلة، فإنها سميت متصلة لتلاقي كل من التلميذ وأستاذه، وكونه قد لقيه وأخذ عنه. ويعرف أنه قد لقيه إما بإخباره، كأن يقول: لقيت فلانا وأخذت عنه، وإما بالإمكان بكونهما في بلد واحد، وقد عاش معه سنين وهو يجمع الأحاديث ويحرص على جمعها، لا سيّما كبار السن، فإنه والحالة هذه يكون إذا روى عنه يحمل على السماع، كذلك بالتحديث إذا كان مأمونا موثوقا، وقال: حدثني فلان، عرفنا من ذلك أنه حدثه وسمعه منه، كذلك بالتصريح بالسماع، إذا قال: سمعته من فلان، فإنه يحمل على الاتصال فيكون إسناده متصلا، وهكذا يقال في بقية الأسانيد، فالإسناد المتصل هو المتواصل الذي ليس فيه اختلال، وضده المنقطع، والمنقطع هو الذي في إسناده سقوط واحد من الوسط، أو اثنين غير متواليين من الوسط، فإن سقط من وسطه اثنان أو أكثر على التوالي فإنه يسمى معضلا . الحديث المعلق فإن كان السقط من أوله وكان واحدا أو أكثر فيسمى معلقا المعلق لغة: اسم مفعول، من علقت الشيء، علّقه فهو معلق. واصطلاحا: ما كان السقط فيه من مبادئ الإسناد من تصرف مُصنِّف. وله صور متعددة، منها: أن يحذف جميع السند ويقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنها: أن يحذف الإسناد إلا الصحابي والتابعي. أو الصحابي فقط. ومنها: أن يحذف المصنف شيخه ويعزو الخبر إلى من فوقه. ومنها: أن يعزو المصنِّف الحديث إلى شيخه بصيغة قال. . كأن صاحب الكتاب علقه وهو يريد أن يتناوله ولا يقدر على الوصول إليه. فإن كان السقط من آخره بعد التابعي فإنَّه يسمى مرسلا، فإن كان السقط خفيّا وظاهر الإسناد أنه متواصل لكن فيه سقط خفي فإنه يسمى مدلسا، والمُدَلِّس هو الذي يروي عن شيخه ما لم يسمعه منه بصيغة تحتمل اللُّقيَّ، فيقول مثلا: عن فلان. وكان قد لقيه لكنه ما سمع منه هذا الحديث كقوله: عن الزهري، أو قال الزهري لما لم يسمعه منه، فإذا قال: حدثني الزهري دل على أنه سمعه منه، أو قال: سمعته من الزهري فالمدلس يتوقف في قبوله مخافة أن يكون قد دلسه عن ضعيف فأسقطه. قوله: (ولم يبن) يعني ينقطع، أي لم يكن فيه بون، والبون الانقطاع، يقال مثلا بان عنه، يعني انفصل عنه وانقطع، وتقول: أبن هذا عني، يعني أزله، وفي الحديث لما سُئِلَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الشراب وأن الإنسان لا يَرْوَى بنفس واحد قال: { أَبِنِ القدحَ عن فيك } رواه مالك في صفة النبي صلى الله عليه وسلم باب النهي عن الشرب في آنية الفضة والنفخ في الشراب برقم 12، ورواه الدارمي في سننه في الأَشربة باب من شرب بنفس واحد2/161، ورواه الترمذي في الأَشربة باب ما جاء في كراهية النفخ في الشراب برقم 1888، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد في المسند3/26،27، وابن حبان في صحيحه (الإحسان) في كتاب الأَشربة باب ذكر الزجر عن النفخ في الشراب لمن أراد الشرب. برقم5327 وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري. ويعني: أَفصله وأَخِّره (لم يبن) يعني لم يفصل ولم ينقطع ولم يكن فيه بون، والبون والبين هو الانقطاع، كما في قول بعضهم: وأتى دونك البون، وبون بعيد، وبينهم بون شاسع، فالبون هو البعد، فالمسند هو الذي إسناده موجود، بقطع النظر عن الإسناد هل هو متصل أو منقطع، فصورة الإسناد ظاهرة، وقد يكون مُدلسا، وقد يكون مرسلا خفيا، وقد يكون مرسلا جليا، وقد يكون معضلا، وإنما فيه صورة الإسناد ظاهرة، وضده ما لم يسند، فمثلا كتاب (رياض الصالحين) للنووي أحاديثه ليست مسندة بل مذكورة بدون أسانيد، وصحيح مسلم أحاديثه مسندة من مسلم إلى الصحابي إلى الرسول. وعلى هذا فالمسند هو الذي فيه الإسناد، وقد يكون في تلك الأسانيد ما هو منفصل منقطع، أو مرسل أو معضل، ولكن مع ذلك تُسمى مسانيد، وأحاديث مسندة، فالمسند هو الذي يوجد فيه الإسناد. |