مُسَلسلٌ قلْ ما عَلى وَصفٍ أَتى مِثْـلُ أَمَـا وَاللهِ أَنبانِي الفـتى كَذَاكَ قَـــد حَدَّثنيـهِ قَائِـما أَوْ بَعْـدَ أَنْ حدَّثـني تبـسَّمـا الحديث المسلسل: وأما (المسلسل) فهو ما على وصف أتى، يعني: ما أتى على صفة معينة من أول السند إلى آخره. وقد يكون مسلسلا بالقول، أو مسلسلا بالفعل، فالمسلسل بالقول كالمسلسل بالتحديث، أي أن كل واحد منهم يقول: حدَّثني حدّثني، والمسلسل أيضا بالقول كالمسلسل بالسماع، كأن يقول: سمعت فلانا قال: سمعت فلانا قال: سمعت فلانا ، إلى أن يقول الصحابي: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد يكون مسلسلا بقول خارج، ومِثلُ ذلك حديث معاذ لما قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- { إني أحبك } فإنه تسلسل، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ { إني أحبك } ومعاذ قال لتلميذه: إني أحبك وتلميذه قال للثاني: إني أحبك. وقد قال لي فلان: إني أحبك وقال لي فلان: إني أحبك، إلى أن قال: قال لي معاذ إني أحبك. قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم- { إني أحبك } فلا تدع أن تقول دبر كل صلاة: { اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، } أخرجه أحمد في المسند 5/244-245، وأبو داود في سننه، في كتاب الصلاة، باب الاستغفار 1522، والنسائي في سننه في كتاب الصلاة، باب الدعاء بعد الذكر. وابن حبان في صحيحه (موارد 583). وقوام السنة في الترغيب والترهيب 2/127-128، والحاكم في المستدرك في كتاب الصلاة 1/4067 وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. فهذا مسلسل بهذه المقالة إلى أن وصل إلى الصحابي، يعني: من أول الإسناد إلى الصحابي، كل واحد منهم يقول لتلميذه: إني أحبك. وهناك حديث مسلسل بالأولية، وهو أن يقول الراوي: حدثني فلان، وهو أول حديث سمعته منه. قال: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه، قال: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه، إلى أن يصل إلى الصحابي، فهذا مسلسل بالأولية كحديث عبد الله بن عمرو مرفوعا "الراحِمُون يَرحَمُهُم الرحمن، ارحمُوا من في الأرض يرحمكم من في السماء" فقد صحَّ التسلسل فيه إلى ابن عيينة، وبقية الإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس مسلسلا. قال ابن حجر: "...فإن السلسلة تنتهي فيه إلى سفيان بن عيينة فقط، ومن رواه مسلسلا إلى منتهاه فقد وهم" نزهة النظر ص168. وانظر: فتح المغيث للسخاوي 4/41-42. والحديث أخرجه الإمام أحمد 2/160 والترمذي في سننه 1924 وأبو داود في سننه 4941 وغيرهم، وقد استوعب الحافظ ابن حجر طرق الحديث وأطال الكلام فيه في كتاب "الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع 62-67 وقد خرَّج الحديث جماعة من الحفاظ والأئمة، انظر: المجلس الأول من مجالس الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي. . وقد يكون مسلسلا بالفعل، كأن يقول: حدثني فلان وهو قائم، قال: حدثني فلان وهو قائم، إلى أن يصل إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد يكون مسلسلا بفعل أجنبي، كأن يقول: حدثني فلان متبسما ، أو حدثني فلان وهو يضحك، قال: حدثني فلان وهو يضحك، قال: حدثني فلان وهو يضحك. أو وهو يبتسم، إلى أن يصل إلى الصحابي، فيكون هذا مسلسلا بالفعل. فالحاصل أن المسلسل ما اتفق رواته على صيغة أو على كلمة تتصل بالرجال، أو تتصل بكيفية الأداء فالحاصل أنَّ المسلسل من صفات الإسناد كما قال ابن حجر في النزهة. فتسلسل كأنه انجر من هذا إلى هذا، والتسلسل أصله التجاذب، تسلسل القوم يعني تجاذبوا، يعني صاروا كذا وكذا، وكذلك تسلسل أي: ترقى من كذا إلى كذا، وتسلسل هذا العمل يعني نزل من هذا إلى هذا، فأخذوا منه هذه الكلمة، وذكروا في الأحاديث المسلسلة أنها غالبا تكون ضعيفة أو يختل فيها التسلسل كثيرا، فيحتاجون أن يأتوا به بصورته فينقطع في بعض الأحيان فيقع فيها تساهل، أو يقع فيها شيء من الرواية بالظن أو ما أشبه ذلك الأحاديث المسلسلة فيها الصحيح والحسن والضعيف والباطل، حسب حال رواتها، قال ابن الملقن (وقل ما تسلمُ المسلسلات من ضعف، أعني في وصف التسلسل، لا في أصل المتن) المقنع 2/448. والتسلسل له فضيلة وفوائد من ذلك: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأقواله، واشتماله على مزيد الضبط من الرواة، والبعد عن التدليس والانقطاع. انظر فتح المغيث 4/39-40. وقد ألفت بعض المصنفات في الأحاديث المسلسلة مثل: المسلسلات الكبرى للسيوطي، والفوائد الجليلة لمحمد بن عقيلة، والمناهل السَّلْسلة في الأحاديث المُسلسَلة لمحمد بن عبد الباقي الأَيوبي. . |