عزيزُ مَروي اثنينِ أَوْ ثلاثةْ مشهورُ مَرْوي فوق ما ثلاثة وهنا يأتي تعريف العزيز والمشهور، وبعده المعنعن والمبهم والعالي والنازل. الحديث العزيز والمشهور والمستفيض فأما العزيز فهو ما رواه اثنان، وقيل: ما رواه ثلاثة، والأشهر أنه ما رواه اثنان فقط، يعني رواه عن الصحابي اثنان، ورواه عن الاثنين اثنان وهكذا رواه اثنان إلى أن وصل إلى المؤلف، وسمي عزيزا من العزة وهي القلة، يُقال: هذا عزيز في هذا الزمان، يعني قليل، كما يقولون: هذا أعز من الكبريت الأحمر، يعني أقل من العزة، وهي القلة؛ لقلة رجاله، وقيل: مشتق من القوة، فإن أحد الراويين تقوى بالآخر، فقد كان غريبا كما سيأتي، ولكن بعد أن رواه راوٍ آخر ووجد له إسناد آخر تقوى أي أصبح قويا، فقيل: عزيز بمعنى قوي، فالتعليل الأول يناسب كونه مروي اثنين، وإذا قيل: إنه مروي ثلاثة -كأن يكون له ثلاثة أسانيد- فإنه مشتق من القوة لا من القلة؛ لأن الثلاثة فأكثر ليست قليلة، بل هي أدنى الكثرة، هذا هو العزيز. وذهب الحاكم إلى أنه شرط للصحيح قال ابن حجر: "وليس شرطا للصحيح، خلافا لمن زعمه، وهو أبو علي الجُبَّائي من من المعتزلة، وإليه يُومئُ كلام الحاكم أبي عبد الله في علوم الحديث، حيث قال: الصحيح أن يرويه الصحابي الزائل عنه اسم الجهالة، بأن يكون له راويان، ثم يتداوله أهل الحديث إلى وقتنا كالشهادة على الشهادة" اهـ. نزهة النظر ص65. وقال في النكت على كتاب ابن الصلاح: "وقد فهم الحافظ أبو بكر الحازمي من كلام الحاكم أنه ادَّعى أن الشيخين لا يخرجان الحديث إذا انفرد به أحد الرواة فنقض عليه بغرائب الصحيحين. والظاهر أن الحاكم لم يرد ذلك وإنما أراد كل راو في الكتابين من الصحابة فمن بعدهم يشترط أن يكون له راويان في الجملة، لا أنه يشترط أن يتفقا في رواية ذلك الحديث بعينه عنه، إلا أن قوله في آخر الكلام.ثم يتداوله أهل الحديث كالشهادة على الشهادة، إن أراد به تشبيه الرواية بالشهادة من كل وجه فيقوى اعتراض الحازمي. وإن أراد به تشبيها بها في الاتصال والمشافهة، فقد ينتقض عليه بالإجازة والحاكم قائل بصحتها وأظنه إنما أراد بهذا التشبيه أصل الاتصال والإجازة عند المحدثين لها حكم الاتصال والله أعلم..." 1/240 وقال: لا يكون الصحيح إلا ما رواه اثنان أو أكثر، وعلى كلام الحاكم لا يكون الغريب صحيحا، وقد خالفه في ذلك كثير من العلماء، وصححوا أحاديث غريبة ليس لها إلا إسناد واحد، كحديث: { إنما الأعمال بالنيات } أخرجه البخاري في بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) ومسلم في الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية " (1907). فليس له إلا إسناد واحد بالنسبة إلى التابعين، ومع ذلك فهو صحيح، وكذا الترمذي فهو في كتابه ( الجامع ) يصحح الأحاديث الغريبة، فيحكم بغرابته ومع ذلك يصححه فيقول: هذا حديث صحيح غريب، والغريب ما ليس له إلا إسناد واحد. فالحاكم يقول: لا يكون صحيحا إلا إذا كان له إسنادان، وهو العزيز، والراجح إن شاء الله أنه قد يحكم بصحة الحديث الغريب إذا كان إسناده ثقات، ورواته مشهورين، ولو لم يكن له إلا إسناد واحد. فالعزيز ما رواه إما اثنان، على قول الحاكم وهو المشهور، أي ليس له إلا إسنادان، وإما ثلاثة على قولٍ أشار إليه الناظم البيقوني (عزيز مروي اثنين أو ثلاثة) الحافظ بن منده وتبعه ابن الصلاح وابن كثير والسيوطي وغيرهم جعلوا العزيز ما رواه اثنين أو ثلاثة فإن رواه عنهم جماعة سمّي مشهورا. أما ابن حجر وغيره فقد خصوا الثلاثة فما فوقها بالمشهور، والاثنين بالعزيز. انظر: تدريب الراوي 2/167. وهو يدل على أن هناك خلافا، وأن بعض العلماء قالوا: العزيز ما رواه ثلاثة والمعنى أنه رواه عن الصحابي ثلاثة، ثم استمر يرويه ثلاثة ثلاثة، إلى أن وصل إلى أهل التأليف، فأصبح له ثلاثة أسانيد، كما لو رواه مثلا عن أنس ثلاثة من تلاميذه كقتادة وأيوب السختياني وثابت البناني، ثم يرويه عن كل واحدٍ واحدٌ، فيرويه عن قتادة شعبة ويرويه عن ثابت سعيد بن أبي عروبة ويرويه عن أيوب عوف الأعرابي، ثم يرويه عن هؤلاء الثلاثة ثلاثة، كل واحد يرويه عنه واحد، إلى أن يصل إلى زمن البخاري أو الترمذي فيرويه الترمذي أو غيره بهذه الأسانيد الثلاثة، فيسمى هذا الحديث عزيزا على قولٍ، ومشهورا على قولٍ آخر، يعني أن العزيز فيه قولان: الأول: أنه مروي اثنين. والقول الثاني: أنه مروي ثلاثة. والمشهور فيه قولان: الأول: أنه مروي ثلاثة أو أكثر. الثاني: أنه مروي أربعة أو أكثر، وهو الذي اختاره البيقوني ولهذا قال: (مشهور مروي فوق ما ثلاثة) يعني فوق الثلاثة، وأدنى شيء فوق الثلاثة هو الأربعة، فإذا كان له أربعة أسانيد فإنه عنده المشهور، ولعل الراجح قول الجمهور: أن العزيز يطلق على ما رواه اثنان، وأن المشهور يطلق على ما رواه أكثر من اثنين، يعني ثلاثة أو أكثر ما لم يبلغ حد التواتر ولهذا عرَّف ابن حجر الحديث المشهور بتعريف جيد فقال: "ما له طرق محصورة بأكثر ما اثنين". فقوله: "ما له طرق محصورة" قيد يخرج به المتواتر، فالمتواتر لا يضبط بعدد معين. وقوله: :"أكثر من اثنين" قيد يخرج به العزيز والغريب. يعني ولو رواه عشرة، ولكنه لم يبلغ حد التواتر فيسمى مشهورا، وقد يسمى مستفيضا، يعني أن له اسمين، المشهور والمستفيض قال ابن حجر عن الحديث المشهور: "وهو المستفيض على رأي جماعة من أئمة الفقهاء...، ومنهم من غاير بين المستفيض والمشهور، بأن المستفيض يكون في ابتدائه وانتهائه سواء، والمشهور أعم من ذلك، ومنهم من غاير على كيفية أخرى" نزهة النظر ص63، قال المناوي في اليواقيت والدرر 1/151 موضحاً قول ابن حجر: "ومنهم من غاير على كيفية أخرى" قال: ففرق بأن المستفيض ما تلقته الأمة بالقبول دون اعتبار عدد واشتقاقه من الشهرة لانتشاره بين الناس وتناقله، وكذلك المستفيض من الفيضان، وهو التفجر، وكأنه فاض في الناس، وتناقلوه أفرادا وجماعات، فلأجل هذا أُطلِقَ عليه: مستفيض. أقسام الحديث المشهور قوله: (مشهور مروي فوق ما ثلاثة). ويقسمون المشهور أيضا إلى قسمين عند الخاصة، ومشهور عند العامة، والمراد بالخاصة علماء الحديث، فقد يكون الحديث مشهورا عندهم وإن لم يكن منتشرا وكثيرا تناوله وتناقله بالنسبة إلى العامة؛ لأن العامة إنما يتناقلون ما يسهل حفظه، أو ما يتكرر، أو ما تكثر الحاجة إليه، أما الأحاديث الخاصة فإنها تكون متناقلة بين العلماء والمحدثين وليست متناقلة بين عموم الناس الحديث المشهور غير اصطلاحي -أي الذي اشتهر على الألسنة- له أنواع كثيرة منها: 1- مشهور عند المحدثين خاصة. مثل: حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرا بعد الركوع يدعو على رِعْل وذَكوان". 2- مشهور عند المحدثين وغيرهم. مثل: "حديث "إنما الأعمال بالنيات". 3- مشهور عند الفقهاء. مثل: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". 4- مشهور عند الأصوليين. مثل: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". 5- مشهور عند العامة. مثل: "العجلة من الشيطان". 6- مشهور عند الأدباء. مثل:"أدبني ربي فأحسن تأديبي". مشهور عند النحاة. مثل: "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه". فتجد الحديث مثلا يسمى مشهورا ومستفيضا؛ حيث إن له عدة طرق، أكثر من اثنين أو ثلاثة، ومشهورا لأنه رواه أهل السنن، ورواه أهل الصحاح: البخاري ومسلم وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود وابن السكن وابن القطان ومن أشبههم من الذين ألفوا في ( الصحيح )، ورواه أهل السنن الأخرى كالدارمي والبيهقي والدارقطني وأشباههم، ورواه أهل المسانيد، ورواه أهل المصنفات، ورواه أهل التفاسير، ومع ذلك وقد يكون منتشر الذكر بين العامة، وقد يكون الأمر بالعكس أي أن الحديث قد يشتهر على ألسن العامة، ومع ذلك ليس بمشتهر عند الخاصة الذين هم العلماء والمحدثون، فالعامة قد يسمعون أثرا ونحوه فيتناقلونه على أنه حديث، ويشتهر بينهم وينتشر، وإذا نقب عنه لم يكن حديثا، بل هو إما حديث ضعيف مع شهرته بين العامة وكثرة تناقلهم له، وإما أثر موقوف على بعض الصحابة أو من دونهم. فالحاصل أن المشهور هو الذي يرويه ثلاثة عند أكثر العلماء أو يرويه أكثر من ثلاثة عند البيقوني والبعض غيره، وأنه يسمى مشتهرا مستفيضا، وأنه قسم إلى مشهور عند الخاصة ومشهور عند العامة، ورواته هي الأسانيد والطرق، والحكم عليه يرجع إلى الرجال. ونحن إنما نقول: مروي ثلاثة ومروي اثنين بالنسبة إلى الأسانيد ظاهرا، ولا يحكم بصحته ولا بضعفه إلا بعد النظر في رجاله، فإذا نظرنا في رجال الحديث، نظرنا في ثقتهم وعدالتهم وأهليتهم، أو أن فيهم نوع ضعف، ولكن ذلك الضعف ينجبر بمتابعة هذا لهذا ولهذا، فيحكم بصحته، وقد يكونون من الضعف بمكان قوي؛ بحيث لا يُقبل حديثهم ولا يُحكم بصحته إذا كانوا متهمين بالكذب أو ضعفاء بالمرة، فهذا التعريف إنما هو بالنظر إلى الاسم، أي اسم الحديث مشهور أو مستفيض أو عزيز، مع قطع النظر عن ثقة رجاله أو ضعفهم، فإذا أردنا الحكم عليه فلا نحكم عليه إلا بالنظر إلى عدالة رواته وصحة إسناده. |