مُعنْعنٌ كَعنْ سعيدٍ عنْ كَرَم وَمبْهَمٌ مَا فِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسم الحديث المعنعن والمؤنَّن: قوله: (معنعن كعن سعيد عن كرم...). الحديث الذي يتسلسل بكلمة عن فلان عن فلان، والعنعنة يستعملونها إما للاختصار وإما لعدم التثبت من سماعه عن ذلك الشيخ، كأن يرويه عنه بواسطة أو ما أشبه ذلك، ويجوز للمتأخر أن يروي الحديث بعن، فيجوز لك أن تقول: عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { بادروا بالأعمال ستًّا... } أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الفتن وأشراط الساعة، بابٌ في بقية من أحاديث الدجال رقم الحديث 2947. مع أن بينك وبين أبي هريرة مئات السنين، فإذا قال الراوي "عن" فليس متحققا أنه لقيه أو أنه سمعه منه، فقد يقول أبو بكر بن أبي شيبة عن شعبة وهو قد لقيه، وقد يقول مثلا سفيان بن عيينة عن الزهري وهو قد لقيه فيعنعن، وقد يكون الشيخ روى عن شيخه بالتحديث، وعن شيخ شيخه بالعنعنة، ويفعل ذلك كثير من العلماء، وقد يكون الإسناد كله معنعنا، فغالب أول مصنف عبد الرزاق رواه تلميذه عنه بالعنعنة مع ذكره لاسمه فيكتب: عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، فيجعله كله معنعنا، مع أن عبد الرزاق قد روى عن مشايخه بالتحديث أو بالإخبار أو بالسماع، ومع ذلك يذكره بالعنعنة، ولعلّ ذلك من باب الاختصار والعنعنة إذا جاءت في الحديث فإنها تكون دون التحديث بمراتب؛ لأنها ليست دالة على الاتصال، إلا إذا حملنا ذلك الراوي على حسن الظن. واختار الإمام مسلم -رحمه الله- أن الحديث المعنعن يقبل مطلقا ويحمل على الاتصال بشرط: 1- أن يكون المعنعن ليس مدلسا. 2- وأن يكون معاصرا لمن روى عنه يمكن أنه لقيه الإمام مسلم اشترط المعاصرة مع إمكان اللقاء، وادعى الإجماع فيه كما في مقدمة صحيحه، وقد قال ابن الصلاح: وفيما قاله مسلم نظر. قال: (وهذا الحكم لا أراه يستمر بعد المتقدمين فيما وجد من المصنفين في تصانيفهم مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه: "ذكر فلان قال فلان" ونحو ذلك. فافهم كل ذلك فإنه مهم عزيز، والله أعلم) اهـ. مقدمة ابن الصلاح ص66-67. -أما البخاري وابن المديني وغيرهما من المحققين من أهل الحديث فقد شرطوا اللقاء في الجملة لا في كل حديث. وقد قيل إلاَّ أن البخاري لا يشترط ذلك في أصل الصحة بل التزمه في جامعه. -أما أبو المظفر السمعاني فقد شرط طول الصحبة بينهم. -وأما أبو عمرو الداني فقد شرط معرفته بالرواية عنه وهذا القول والذي قبله من الأقوال المتشددة. (للتوسع انظر تدريب الراوي 1/187-188 والتدليس في الحديث للدميني ص21 فما بعد). . فإن كان المعنعن مدلسا فلا يقبل إلا إذا صرح بالتحديث، فمثلا من المدلسين ابن إسحاق محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم المدني، قال الذهبي: كان صدوقاً من بحور العلم وله غرائب في سعة ما روى تستنكر، واختُلف في الاحتجاج به، وحديثه حسن، وقد صححه جماعة اهـ الكاشف 2/156. وقال ابن حجر: صدوق يدلس ورمي بالتشيع والقدار اهـ.(التقريب825). صاحب السيرة، نجد عنده أحاديث كثيرة تارة يذكرها بصيغة العنعنة، وتارة بالتحديث، فتارة يقول: حدَّثنا عاصم بن عمر عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأوسي الأنصاري الظفري، ثقة عالم بالمغازي (التقريب 473). وتارة يقول: عن عاصم بدون حدَّثنا، فيقبل ما صرح فيه بالتحديث دون ما لم يصرح فيه بالتحديث؛ مخافة أن يكون قد أسقط شيخه. والضعيف "المدلس" هو الذي يسقط شيخه، ويروي الحديث بالعنعنة عن شيخ شيخه الذي قد لقيه، لكنه لم يسمع منه ذلك الحديث، و"المؤَنَّن" أيضا ألحقوه بالمعنعن، لكن الغالب أن المُؤَنَّن لا يقتصر فيه على كلمة "أن" بل لا بد أن يُضاف إليها كلمة أخرى، فإن أضيف إليها ما يدل على السماع فهو متصل، وإن أضيف إليها ما لم يدل على السماع فلا، فإذا قال مثلا: حدثنا عبد الله بن لهيعة أن جابرا الجعفي قال: حدثني أنس؛ فمثل هذا أن جابرا قال. وكلمة "أن" هو المُؤَنَّن، ولكن أضاف إليها "قال" وكلمة "قال" لا تدل على الاتصال فيتوقف فيه؛ لأن ابن لهيعة قيل: إنه مدلس، وأما إذا أضاف إليها كلمة صريحة فيقبل، كأن يقول: حدثنا ابن لهيعة أن جابرا الجعفي حدثه، فكلمة "أن" اقترنت بها حدَّثه أو أخبره أو سمعه يقول أو ما أشبه ذلك، فيزول بذلك خوف الانقطاع. الحديث المبهم قوله (ومبهمٌ ما فيه راوٍ لم يُسم). أي: لم يصرح باسمه، كأن يقول مثلا عن ابن لهيعة عن رجل، عن قتادة، فقوله: "عن رجل" هذا مبهم لا يُدرى من هو، وقد لا يذكره باسم رجل، كأن يقول: عمن أخبره، أو عمن سمع جابرا. فهذا الذي سمع جابرا مبهم، وقد يكون الإبهام لعدد، كأن يقول: عن عدة من مشايخنا، أو من أصحابنا، فهؤلاء العدة مبهمون، وقد يكون الإبهام مع نوع من التعيين، كأن يقول: عن عمه أو عن أخيه، وله عدة أعمام وله عدة إخوة، أو أخوه مجهول لا يُدرى من هو ولا يُدرى ما اسمه، فيكون هذا مبهما وكما أن الإبهام يقع في السند، فكذلك يقع في المتن، كقول الصحابي مثلا في حديث مرفوع: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك. (للتوسع انظر المستفاد من مبهمات المتن والإسناد لابن العراقي). والإبهام في المتن لا يضُر، أما في السند كأن يقول الراوي حدثني فلان عن رجل، فلا يقبل ما لم يسمّ، ولذا قال ابن حجر: لأَن من شرط قبول الخبر عدالة راويه، ومن أبهم اسمه لا تُعرف عينه، فكيف تعرف عدالته، وكذا لا يقبل خبره ولو أبهم بلفظ التعديل كأن يقول الراوي عنه: أخبرني الثقة، لأنه قد يكون ثقة عنده مجروحاً عند غيره وهذا على الأصح في المسألة. النزهة ص135. وقد صنّف في المبهمات جمعٌ منهم: ابن بَشكُوال في كتابه: "الغوامض والمبهمات"، وكذلك الخطيب في كتابه الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة، وكذلك محمد بن طاهر المقدسي في كتابه:"إيضاح الإشكال". وغيرهم. فالمبهم هو الذي فيه رجل لم يسم، وهو يدل على ضعفه، فيُرد الحديث الذي فيه راوٍ مجهول، وقد يسمى ومع ذلك يبقى على جهالته، وقد يسمى ولكن لا يقال فيه كلام ولا يذكره أحد، ولا يترجم له ولا يدري ما حاله وما روايته وما ثقته، وهو مع ذلك مسمى، بأن يقول مثلا: حدثني زهير أو يزيد، وقد يقول مثلا: يزيد بن بزيع، ولكن من هو يزيد هل هو ثقة أو ضعيف، لا ندري ، لم يتكلم فيه أحد، فيتوقف في رواية هذا المجهول. المجهول وأقسامه: ويقسم المجهول المجهول هو: الراوي الذي لا يعرف فيه تعديل ولا تجريح. والإمام ابن الصلاح في مقدمته قسَّم المجهول إلى ثلاثة أقسام : 1-مجهول العين. 2-مجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعاً. (وهو مجهول الحال). 3-مجهول العدالة من حيث الباطن دون الظاهر (وهو المستور). أما الحافظ ابن حجر كما في النزهة فقد قسم المجهول إلى قسمين: 1-مجهول العين. 2-مجهول الحال. ويسميه المستور. والقول الصحيح أن مجهول العين لا تقبل روايته، إلاّ بأحد أمرين ذكرهما ابن حجر في النزهة فقال: فلا يقبل حديثه إلاّ أن يوثقه غير من ينفرد عنه على الأصح، وكذا من ينفرد عنه إذا كان متأهلاً لذلك. اهـ ص135. أما مجهول الحال فقد قال ابن حجر في النزهة: وقد قبل روايته جماعة بغير قيد، وردَّها الجمهور، والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه احتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها، بل هي موقوفة إلى استبانة حاله كما جزم به إمام الحرمين، ونحوه قول ابن الصلاح فيمن جرح بجرح غير مفسر.اهـ136. إلى قسمين: 1- مجهول الحال. 2- ومجهول العين. فمجهول العين هو: أن لا يُعْرَف بعينه ولا يُدْرَى ما اسمه. وأما مجهول الحال فهو: الذي يسمى ويرويه عنه اثنان، ولكن لا يُرْوَى شيء من أخباره، ولا ينقل هل هو صدوق أو كذوب، أو ثقة أو ضعيف، روى عنه فلان وفلان ولكن ما وثق، فيسمى مجهول الحال، وقد يسمى مستورا. الفرق بين المبهم والمجهول: والفرق بين المبهم والمجهول أن المجهول أخص؛ لأنه قد يكون مسمى ومجهولا، قد يُقال: عن أُمه، وأُمه مجهولة، وقد يُقال عن أخيه، وأما إن قيل: عن رجل، أو عن من سمع، فهذا يسمى مبهما، فالمبهم هو الذي لا يذكر بما يميزه، وأما إذا قال: عن أخيه أو عن أمه وهي مجهولة، أو أخته أو عمه، أو ما أشبه ذلك فهذا يسمى مجهولا وليس بمبهم. |