وَمَا أَضَفْتهُ إلى الأَصْحاَبِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ فَهْوَ موقوفٌ زُكِن وَمُرْسلٌ مِنهُ الصّحَابيُّ سَقَطْْ وقل غريبُ ما روى راوٍ فقطْ وَكُلُّ مَاَ لـَمْ يَتَّصِلْ بـِحـالِْ إسنادُهُ مُنْقـطِع الأَوصـَـال هذا تعريف الموقوف، والمرسل، والغريب، والمنقطع، وهي بعضها من مباحث الإسناد كالمرسل والمنقطع، وبعضها من مباحث المتن كالغريب من المعلوم أن الغريب قسيم للمشهور والعزيز وهي من مباحث الإسناد، والغريب يمكن أن يكون في المتن والإسناد، ولعله في الإسناد أظهر والله تعالى أعلم. والموقوف. الحديث الموقوف (والموقوف) هو ما وُقِفَ على الصحابي من قول أو فعل أو تقرير ، فإذا وقف الإسناد إلى الصحابي ولم يتجاوزه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو موقوف، أي: هو من كلام الصحابة، ويكثر هذا في الكتب التي تعني بكتابة الآثار، كمصنف ابن أبي شيبة وسنن الدارمي ومصنف عبد الرزاق وسنن سعيد بن منصور يذكرون فيها أشياء كثيرة من الموقوفات على الصحابة، ومن الموقوفات على التابعين، الموقوف عند الإطلاق يطلق على ما أضيف إلى الصحابي من قول أو فعل أو تقرير أما عند التقييد فيجوز في حق التابعين، فيقال مثلاً: هذا موقوفٌ على ابن المسيب. فكل ما أضيف إلى الصحاب، يعني: الصحابة، فهنا عبَّر بالصحاب عن الصحابة يُقال لهم: أصحاب وصحب وصحابة وصحاب، وسواء كان ذلك المروي من قولهم أو من فعلهم، كفعل أحدهم أمرا من الأمور، يُقال: فعل عثمان كذا فهذا موقوف، أو قال عمر كذا وكذا فهذا موقوف فقهاء خُراسان يسمون الموقوف أثراً والمرفوع خبراً. قال أبو القاسم الفوراني: "الخبر ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأثر ما يروى عن الصحابة". أما جمهور المحدِّثين فهم على عدم التفريق بين الخبر والأَثر فالكل يسمَّى أثراً لأنه مأخوذ من أثرت الحديث أي رويته. انظر فتح المغيث 1/123-124، وتدريب الراوي1/156-157. . (زُكِن) يعني عُرِفَ وحققَ أنّ هذا هو الموقوف حقا، وكثيرا ما تكون الموقوفات في كتب المتقدمين كالدارمي وعبد الرزاق ومالك، ثم يخطئ فيها كثير من المتأخرين فيرفعونها، وكثيرا ما يقول الترمذي وغيره: هذا الحديث موقوف، رفعه فلان فأخطأ فيه، أو غلط فرواه مرفوعا، والصحيح أنه موقوف على عائشة أو موقوف على ابن عباس أو نحو ذلك. وقد ذكرنا سابقا أن الموقوف قد يكون له حكم المرفوع، فيما إذا كان ذلك الصحابي لا يأخذ عن الإسرائيليات، وكان كلامه لا يُقال مثله بالرأي، فإذا تكلم بكلام من أُمور الآخرة حُمِلَ على أنه تلقَّاه عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو مثلا أخبر بثواب، فإنه محمول على أنه مرفوع حكما لا لفظا، هذا هو الموقوف وهنا مسائل مهمة تتعلق بهذا المبحث يمكن أن تجعل كالقرائن التي ترفع الموقوف حكماً ذكرها ابن الصلاح في المقدمة وزادها العلماء توضيحاً بالأمثلة: المسألة الأولى: قول الصحابي: "كنا نفعل كذا، أو كنا نقول كذا" إن لم يضفه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو موقوف، وإن أضيف إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع. أما قول الصحابي: كنا لا نرى بأساً بكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، أو كان يقال: كذا وكذا على عهده، أو كانوا يفعلون كذا وكذا في حياته صلى الله عليه وسلم". قال ابن الصلاح: فكل ذلك وشبهه مرفوع مسند مخرّج في كتب المسانيد. اهـ. وإذا قال التابعي: "كنا نفعل كذا" فهذا ليس بمرفوع قطعاً، فإن لم يُضفه إلى زمن الصحابة فمقطوع، وإن أضافه فاحتمالان: الوقف وعدمه، وجْه الأَوّل: أن الظاهر اطلاعهم على ذلك وتقريرهم عليه، ووجه الثاني: أن تقرير الصحابي قد لا ينسب إليه بخلاف تقرير النبي صلى الله عليه وسلم. المسألة الثانية: قول الصحابي: "أُمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا" كل هذا وما أشبهه مرفوع. . أما قول الصحابي: "من السنة كذا" قال ابن الصلاح" فالأصح أنه مسند مرفوع لأن الظاهر أنه لا يريد به إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجب اتباعه. اهـ. أما قول التابعي: "أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا" فقد جزم أبو النصر ابن الصباغ في كتاب العدة في أصول الفقه أنه مرسل. أما إذا قال التابعي: "من السنة كذا" ففيه وجهان حكاهما النووي في شرح مسلم وصحّح وقفه. المسألة الثالثة: أن يقول الصحابي الذي لم يُعرف بالأخذ عن أهل الكتاب قولاً لا يقال بالرأي وكذلك لا مجال للاجتهاد فيه، وليس له تعلق ببيان لغة، أو شرح كلمة غريبة، وذلك كالإخبار عن الأمور الماضية كبدء الوحي وأخبار الأنبياء، أو الآتية كالملاحم والفتن وأحوال القيامة، أو الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص كقوله من فعل كذا فله أجر كذا، أو يفعل ما لا مجال للاجتهاد فيه، فكل هذا له حكم المرفوع. -أما تفسير الصحابي إن تعلق بسبب نزول آية أو نحوه، مما لا يمكن أن يؤخذ إلاّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مجال للاجتهاد فيه، فله حكم الرفع. -أما تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها مجال للرأي فهي موقوفة. المسألة الرابعة: إذا قيل في الحديث عند ذكر الصحابي : يرفع الحديث، أو يبلغ به، أو ينْميه، أو يرويه، أو رواية، أو رواه، فله حكم الرفع. -أما إذا قيل في الحديث عند ذكر التابعي : يرفع الحديث، أو ينميه، أو يبلغ به ونحوها، فهو مرفوع مرسل، لسقوط الصحابي منه. للتوسع انظر: فتح المغيث 1/123 فما بعدها، وتدريب الراوي 1/156 فما بعدها وتوضيح الأفكار للصنعاني 1/261 فما بعدها. والوسيط للعلامة أبو شهبة ص206 فما بعدها. . الحديث المرسل وبعده قال: (ومرسل منه الصحابي سقط...). المرسل: ما رفعه التابعي إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- والتابعي هو الذي لقي الصحابة، فإذا قال سعيد بن المسيب: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو قال عطاء بن أبي رباح: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو المرسل. وقوله: (منه الصحابي سقط). أي في الظاهر، ولكن لو تحققنا أنه لم يسقط منه إلا الصحابي لقبلناه؛ لأن الصحابة عدول، لكن نخشى أن يكون سقط قبل الصحابي تابعي ضعيف، فلأجل ذلك يكون المرسل ضعيفا، والتعبير السليم أن يقال: إن المرسل ما رفعه التابعي إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسبب رده الجهل بالساقط؛ لأنا لا ندري هل هو صحابي فنقبله أو هو تابعي، فإن كان تابعيا فقد يكون ضعيفا، وإن كان ثقة فلا ندري هل أخذه من صحابي فيقبل، أو أخذه من تابعي آخر، فإذا أخذه من تابعي آخر فقد يكون ضعيفا فيرد، وإذا كان قويًّا فهل أخذه من صحابي أو من تابعي ثالث، فقد يأخذ بعض التابعين من بعض إلى ثلاثة أو أربعة، فلأجل احتمال أنه أخذه عن تابعي ضعيف يتوقف في قبول المرسل قال ابن الصلاح في مقدمته ص53: "ثم اعلم أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف؛ إلاّ أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر" اهـ. فالأصل أن المرسل ضعيف مردود، لكن الأئمة اختلفوا في حكمه إلى أقوال أصحها: قبوله بشروط وهو قول الشافعي وهو منقول عن الإمام أحمد. وقد ذكر هذه الشروط الشافعي في الرسالة ص462 فما بعدها. "فمرسل التابعي الكبير يقبل إذا اعتضد بواحد من أربعة أمور: 1-أن يرد موصولاً من طريق آخر. 2-أن يرسله غير من أرسل عن رواة الأوّل. 3-أن يوافق قول أحد الصحابة. 4-أن يفتي أكثر العلماء بمقتضاه. (انظر: منهج النقد د. نور الدين عترص ص372). قال السخاوي: ثم إن ما تقدم عن الشافعي من عدم الاحتجاج بالمرسل إلا إن اعتضد هو المعتمد. اهـ فتح المغيث 1/174. . ويستثنى من ذلك مراسيل سعيد بن المسيب قالوا: لأنها تُتُبِّعَتْ فوجدت مسانيد، فهو لا يرسل إلا عن ثقة، أو عن صحابي قال الإمام أحمد بن حنبل: مراسيل سعيد صحاح، لا نرى أصح من مرسلاته. وقال ابن معين: هي أحب إليَّ من مرسلات الحسن. (فتح المغيث 1/170). وقال الحاكم في معرفةعلوم الحديث ص25: وأصحها [أي المراسيل] مراسيل سعيد بن المسيب. اهـ. قال السيوطي في التدريب 1/171: اشتهر عن الشافعي أنه لا يحتج بالمرسل، إلاّ مراسيل سعيد بن المسيب، قال المصنف [أي النووي] في شرح المهذب. وفي الإرشاد والإطلاق في النفي والإثبات غلط، بل هو يحتج بالمرسل بالشروط المذكورة، ولا يحتج بمراسيل سعيد إلا بها أيضاً.اهـ. فمراسيل سعيد ابن المسيب هي أصح المراسيل بلا شك، لكن تقبل مراسيله إذا اعتضدت بواحد من الشروط التي سبق ذِكْرها عن الإمام الشافعي. قال عبد الحفيظ العلوي في نظم مصطلح الحديث ص13: (وقول عالم قريش مرسل ... ابن المسيب سعيد يُقبل) وحجة قد حَمَّلُوه العلماء على اعتضاده فنعم من سما لكن مراسله في أهل الحديث أحسن من غير وزادوا لا تريث للتوسع انظر فتح المغيث 1/169 فما بعدها، والإرشاد للنووي 1/175، وتدريب الراوي 1/171 فما بعدها، والمقنع لابن الملقن 1/135، فما بعدها. وكذلك إذا تحقق أن هذا المرسل قد أرسله ذلك التابعي عن جَمْعٍ من الصحابة؛ لأن التابعي قد يسمع الحديث من عشرة من الصحابة، فيجزم به، ويقول: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فهنا إذا يقبل. الحديث الغريب قوله: (وقل غريب ما روى راوٍ فقط...). هذا تعريف الحديث الغريب، بأنه ما ليس له إلا إسناد واحد أي يتفرد برواية الحديث شخص واحد في أي موضع وقع التفرد به من السند. انظر: نزهة النظر ص70. وقد سمى بعض العلماء الغريب باسم آخر هو الفرد، قال ابن حجر: لأن الغريب والفرد مترادفان لغة واصطلاحاً، إلا أن أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته، فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق، والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي...إلخ اهـ النزهة ص81. ومن العلماء من فرق بين الغريب والفرد وجعل كل واحد منهما قسمًا لوحده. قال السخاوي: والحاصل أن الغريب على قسمين: مطلق ونسبي كما ستأتي الإشارة إليه، وحينئذ فهو والأفراد كما سلف في بابها على حد سواء...، ثم قال: على أن ابن الصلاح أشار إلى افتراقهما في بعض الصور فقال: وليس كل ما يعد من أنواع الأفراد معدوداً من أنواع الغريب كما في الأفراد المضافة إلى البلاد...إلخ. فتح المغيث 4/3-4. والتفرد في الحديث الغريب يقع في أي موضع من السند، فيقيد بالموضع الذي وقع فيه، أما التفرد في الحديث الفرد فيكون في أصل السند، وهو طرفه الذي فيه الصحابي، وعليه يدور الإسناد، وإليه يرجع ولو تعددت الطرق إليه. (المختصر الوجيز في علوم الحديث د. محمد عجاج الخطيب ص169). وقد قسّم العلماء الغريب بحسب موضع الغرابة فيه، أقساماً كثيرة ترجع إلى قسمين هما: الغريب متنا وإسنادا قال ابن الصلاح: وهو الحديث الذي تفرد برواية متنه راو واحد. اهـ. والقسم الثاني: الغريب إسناداً لا متناً، قال ابن الصلاح: كالحديث الذي متنه مروي عن جماعة من الصحابة إذا تفرد بعضهم بروايته عن صحابي آخر كان غريباً من ذلك الوجه مع أن متنه غير غريب ومن ذلك غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة، وهذا الذي يقول فيه الترمذي: "غريبٌ من هذا الوجه" اهـ. مقدمة ابن الصلاح ص271، ومنهج النقد في علوم الحديث 397-398. وأكثر من يستعمله الترمذي في جامعه حيث يقول: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث فلان، أو من رواية فلان، فإذا رواه مثلا عن الصحابي تابعي، وعن التابعي تابعي آخر، وعنه تابعي ثالث، ثم رابع، ثم آخر، وهؤلاء انفردوا به لم يتابعهم أحد فنسمي هذا حديثا غريبا، وقد يشتهر بعد ذلك كحديث عمر { إنما الأعمال بالنيات } فإنه غريب في أوله ما رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا عمر ولا رواه عن عمر إلا علقمة بن وقاص، ولا رواه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولا رواه عن التيمي إلا يحيى الأنصاري فهو غريب في أوله، ثم اشتهر عن يحيى فأصبح متواترا في آخره من أطلق التواتر أو الشهرة على هذا الحديث فمراده في آخر السند من عند يحيى. انظر: فيض القدير للمناوي 1/35. . ومن أمثلة الغريب حديث أبي هريرة { إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه } أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه رقم 840، والترمذي في سننه في أبواب الصلاة، باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود برقم 269 ولفظه: "يعمد أحدكم فيبرك في صلاته بَرْك الجمل" وأخرجه بهذا اللفظ أيضاً أبو داود حديث رقم 841. وأخرجه النسائي باللفظين في كتاب الافتتاح باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده، حديث رقم 1090 ورقم 1091، وأحمد في المسند 2/381، والطحاوي في شرح مشكل الآثار، باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام من قوله: "إذا سجد أحدكم....".1-168 والبخاري في التاريخ الكبير 1/139، والبغوي في شرح السنة باب الهوى إلى السجود وأنه يضع ركبتيه قبل يديه 1/135، وغيرهم. انظر: زاد المعاد لابن قيم الجوزية 1/222،230 ففيه بحث مفيد. فإنه ما رواه إلا أبو هريرة ولا رواه عن أبي هريرة إلا الأعرج ولم يروه عنه إلا أبو الزناد، ولا رواه عن أبي الزناد إلا محمد بن عبد الله بن الحسن، ولا رواه عن ابن الحسن إلا الدراوردي، فيكون هذا حديثا غريبا وإن كان قد رُوي من طرق أخرى بغير هذا اللفظ، والغرابة تدل على ضعف الحديث هذا الحكم على غالب الغرائب-وهو مراد شيخنا كما ذكر لي-، وإلا فمن الغريب ما هو صحيح ومنه ما هو ضعيف ، قال ابن الصلاح: ثم إن الغريب ينقسم إلى صحيح كالأفراد المخرَّجة في الصحيح، وإلى غير صحيح، وذلك هو الغالب على الغرائب رُوِّينا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال غير مرة: لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء. اهـ علوم الحديث ص271. فيقولون في تعبيراتهم: لا يأتيك بالغريب إلا الغريب، ويقال: فلان يأتي بالغرائب، فلان أحاديثه غريبة، أي: يأتي بأحاديث ما رواها غيره، فانفراده يدل على ضعفه وضعف روايته، هذا هو الغريب أي ما ليس له إلا إسناد واحد. الحديث المنقطع وقوله: (وكلُّ ما لَم يتَّصِل بِحَال ... إسناده منقطعُ الأوصال). هذا تعريف المنقطع، وقد ذكرنا أن الإسناد إما أن يكون فيه انقطاع في أوله وهو المعلق، أو من آخره وهو المرسل، أو من وسطه، فإن كان باثنين متواليين فهو المعضل، وإن كان باثنين غير متواليين فالمنقطع، وكذلك إن كان الساقط واحدا فهو المنقطع. كيف يعرف الانقطاع في الإسناد: وكيفَ تَعرِفُ الانقطاع؟ تعرفه بالرواة عن هذا الشيخ، تقول مثلا : هذا الشيخ لم يرو عنه إلا فلان وفلان، فإذا وجدت إنسانا لم يُذكر في تلامذته عرفت أنه لم يرو عنه، فإنك كثيرا ما تجد في تراجم الرواة إحصاء تلاميذ الشيخ وإحصاء مشايخه كما في كتاب: (تهذيب الكمال في أسماء الرجال) للمِزِّي إذا قال مثلا : إسرائيل بن أبي إسحاق السبيعي روى عن فلان وفلان وفلان وفلان، فيحصي مشايخه الذين روى عنهم ثم يقول: وروى عنه فلان وفلان وفلان،فيحصي تلاميذه الذين رووا عنه، ولو زادوا على المائة أو على المائتين، فأنت إذا رأيت شخصا قد روى عن إسرائيل فانظر هل ذكره صاحب تهذيب الكمال، فإذا لم يذكره ولم يذكره غيره دلَّ على أنه ليس من تلاميذه وأنه ما أدركه، أو أنه روى عنه بواسطة فأسقط تلك الواسطة، فيكون الإسناد منقطعا. فالإسناد المنقطع هو الذي فيه سقط، وقد يعرف السقط بعدم المعاصرة، وذلك يحتاج إلى معرفة المواليد والوفيات، فإذا رأيت مثلا وكيع بن الجراح الذي وُلِدَ قبل موت الزهري بسنة أو سنتين عرفت أنه ما روى عنه، أي: كيف يروي عنه وهو ابن سنة أو سنتين، يعني أن هذا ولادته في سنة كذا، وهذا وفاته في سنة كذا، وبينهما سنة أو سنتان فلان يمكن أن يروي عنه، وهكذا بعض المحدثين قد يروي عن شخص بواسطة ويسقط من روى عنه، ويقع ذلك كثيرا في أولاد بعض الصحابة الذين ما أدركوا آباءهم ورووا عنهم كأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود روايته عن أبيه منقطعة؛ لأنه مات وهو صغير فما عقله، ومع ذلك روى عنه كثيرا، ولكن روايته محمولة على أنه أخذها عن أهل بيته أو عن تلامذة أبيه، فتكون منقطعة، فالمنقطع هو: ما سقط فيه راوٍ أو أكثر مع عدم التوالي، هذا من حيث الاصطلاح، وإلا فهو يعم كل ما لم يتصل، على ظاهر النظم. |