وَالمُعْضَلُ السَّاقِطُ مِنْه اثنَانِْ وَمـا أَتى مُدَلَّسا نوعَـان الحديث المعضل: قوله: (والمعضَلُ الساقطُ منه اثنانِ ...). الإعضال في اللغة: والإعضال هو العيب الكبير، هذا في اللغة: أعضله يعني عاقه عن السير وقطعه قطعا كليا، فهناك مثلا المنقطع عن القوم، إما أن يسير خلفهم سيرا متوسطا وهم مسرعون، فهذا يسمى منقطعا عن القوم، وإما أن يكون سيره بطيئا وسيرهم سريعا، فهذا قد أعضل عن القوم ولحاقه بهم متعذِّر، فالمعضل سمي بذلك لزيادة انقطاعه قال ابن الصلاح في علوم الحديث ص59: وأصحاب الحديث يقولون: أعضله فهو معضَل بفتح الضاد وهو اصطلاحٌ مشكل المأحذ من حيث اللغة، وبحثت فوجدت له قولهم: أمر عضيل أي مستغلق بشدة، ولا التفات في ذلك إلى مُعْضِل بكسر الضاد، وإن كان مثل عضيل في المعنى. اهـ. والحديث المعضل من قبيل الضعيف، وذلك للجهالة بحال المحذوف، ولكنه من قبيل الضعيف المنجبر بغيره. . المعضل اصطلاحا : والمعضل من مباحث الإسناد وعرَّفه بأنه الساقط منه اثنان، ولا بد أن يكونا متواليين، فمتى سقط منه راويان متواليان فهو المعضل، فإن كانا متفرقين فإنه المنقطع فشرط الإعضال أن يكون الانقطاع على التوالي بخلاف المنقطع فلا يشترط ذلك. . كيف يعرف الإعضال في الإسناد: ويُعرف السقط منه بمجيئه من طريق أُخرى، وقد يكون السقط غير ظاهر، حيث يكون بعض الرواة قد لقي بعضا، فمثلا الإمام سفيان بن عيينة قد لقي الزهري وحدَّث عنه، ولكنه تارة يحدِّث عنه بواسطة رجل، وتارة يحدث عنه بواسطة اثنين، فإذا روى ابن عيينة عن الزهري حديثا لم يسمعه منه ولا ممن سمعه منه، لكن بواسطتين فحذف الواسطتين فهو حديث معضل، مع أن ظاهره الاتصال. كذلك قد يكون المسقط لا يتفطن للانقطاع الظاهر، فيروي عمن لم يسمع منه ما لم يسمع، فمثلا يروي بكير بن الأشج عن قتادة وهو لم يسمع منه؛ لكونه مات كهلا، وقد يكون بينه وبينه اثنان فيسمى معضلا، ومثلا يروي هُشَيْمُ بن بشير عن ابن إسحاق وهو لم يسمع منه، وكذلك قد يروي عبيد الله بن معاذ العنبري عن هشام بن عروة بن الزبير ما لم يسمع منه؛ بل قد يروي عنه بواسطتين، ويسقط الواسطتين، فيسمى هذا معضلا، فالمعضل الساقط منه اثنان على التوالي. الحديث المدلّس قوله: ( وما أتى مُدَلَّسًا نوعان...) . التدليس لغة: إخفاء العيب والمدلس اسم مفعول من التدليس. وأصل التدليس مشتق من الدَّلَس وهو السواد والظلمة، فالتدليس في اللغة كتمان عيب السلعة عن المشتري. انظر لسان العرب 6/86، وتهذيب اللغة للأزهري مادة"دلَّس". والمدَلَّس هو الحديث الذي أُخفي عيبٌ في إسناده ليصبح ظاهره حسناً، وتعريفه في اصطلاح المحدِّثين يختلف باختلاف أقسامه. وقد ذكروه في البيوع، وأنه من أقسام الخيار الخيار اسم مصدر من اختار يختار اختياراً، وهو أخير الأمرين من إمضاء البيع وفسخه. (الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي لابن المبرد 2/440) والخيار في البيع سبعة أقسام، انظر المصدر السابق. هو التدليس، الذي هو ستر العيب. ومثلوا له: بأن يكون في السلعة عيب ويستره البائع والمشتري لا يدري عنه، كالمُصرَّاة وهي: الناقة أو البقرة أو الشاة التي يُجمع لَبَنُهَا في ضرعها أياما ، إذا رآها المشتري اعتقد أنها كثيرة اللبن، وإنما هو مجموع، فهذا تدليس، فالدابة مُدَلَّسَةٌ، وكذلك الجارية عندما تُباع إذا كانت قد ابيَضَّ شعرها من الكبر فَسَوَّدَه لِيُوِهَم أنَّها شابة، وقد تكون شمطاء، وقد تكون عجوزا فيعتقد المشتري أنَّها شابة؛ لأن شعرها أسود فهذا تدليس. تعريف التدليس: والحاصل أن التدليس هو الإخفاء، أي: إخفاء العيب ونحوه، وهو غش في العين، فالتدليس في الإسناد هو إخفاء السقط، بأن يسقط في الإسناد رجلا ويخفيه، بحيث إذا سمع أو قرأ المحدث هذا السند لم يتفطن للساقط، ويُعدُّ التدليس عيبا كبيرا في الراوي، لكن قد يُتسامح في بعضهم، يعني أن بعض الرواة قد يدلس، ولكن يُعتذر عنه أنه لا يدلس إلا عن ثقة، أو أنه يدلس لعذر عدم التذكر، يعني قد يكون نسي شيخه الذي حدث عنه، فحينئذ يحدث عن شيخه الذي فوقه، وعلى كل حال فالتدليس عيب، وقد ذمه كثير من العلماء، ومنهم شعبة بن الحجاج الذي يُقال له: أمير المؤمنين في الحديث، فإنه روي عنه أنه قال: لأن أزني أحب إليَّ من أن أُدلِّس روي "أربي" بالراء المهملة وبالباء الموحدة مضموم الهمزة من الربا لأَن الربا أخف من الزنا وهو المناسب للمقام ولما فيه من مناسبة الربا للتدليس فإن الربا أصله من التكثير والزيادة، ومتى دلس فقد كثرت مروياته وتعقب بأن الربا ليس بأخف من الزنا لما في بعض الأحاديث: "لأَن يأكل الرجل درهما واحداً من ربا أشد من كذا وكذا زنية" كما ذكره البقاعي. والحديث رواه أحمد والطبراني ولفظه: "درهم يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية" من حديث عبد الله بن حنظلة مرفوعاً، وإسناده صحيح. وهذا خرج مخرج الزجر والتهويل اهـ. من تعليق الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف على التدريب (1/ 228 ، 229). . |