ومَا يُخالِفْ ثقةٌ فِيهِ الملا فالشّاذُّ والمقلوبُ قِسْمانِ تَلا الحديث الشاذ: قوله: (وما يخالف ثقة فيه الملا ...فالشاذ والمقلوب قسمان تلا). الشاذ: هو ما يخالف ثقة الملأ وقد عرّف الحافظ ابن حجر في النزهة الشاذ فقال: ما رواه المقبول مخافاً لمن هو أولى منه اهـ ص98. والثقة قد يغلط، وقد يخطئ ولو كان ثقة، فيخطئ مثلا بانتقال ذهنه من حديث إلى حديث، ومن رجل إلى رجل، وما أشبه ذلك، وقلنا: هذه رواية شاذة تفرد بها فلان، ولو كان ثقة، فمثلا إذا روى هذا الحديث عن هذا الشيخ عشرة، وكلهم رووه على صفة، وجاء واحد ورواه على صفة أخرى، حكمنا بأن هذا الراوي الذي جاء به على صفة أخرى شاذ، وروايته شاذة، مثاله: حديث المغيرة في مسح الخفين كما تقدم، فإنَّه رواه عنه أكثر من خمسة عشر من التابعين، وكلهم قالوا فيه: "ومسح على الخفين، أو مسح على خفيه" أخرجه البخاري في كتاب الوضوء باب المسح على الخفين حديث رقم 200 ومسلم في كتاب الطهارة باب المسح على الخفين حديث رقم 274. ورواه واحدٌ يُقالُ له: هُزَيل بن شُرَحْبيل وانفرد عن هُزيل أبو قيس وقال: مسح على الجوربين، أو على جوربيه" أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه كتاب الطهارات، باب في المسح على الجوربين حديث رقم 1973، والإمام أحمد في المسند 4/252، وأبو داود في سننه في كتاب الطهارة باب المسح على الجوربين حديث رقم 159، والترمذي في كتاب الطهارة باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين حديث رقم 99، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين حديث رقم 559، وغيرهم. فنقول: هذا شاذ؛ حيث إنه خالف من هم أكثر منه، خالف الملأ، مع أن أبا قيس وهزيلا ثقتان من رجال الصحيح، ولكن الجمع والجماعة أحفظ من الفرد وأولى بالتقديم. وهكذا مثلا إذا زاد أحد الرواة زيادة لم يذكرها غيره وإن كان ثقة، والذين لم يذكروها أوثق وأكثر، وأحرص على رواية الحديث، كاملا ، فإن تلك الزيادة تكون شاذة فترد ولا تقبل على تفصيل معروف في زيادة الثقة. فالحاصل: أَنَّ الشاذ هو ما خالف فيه الثقة من هو أكثر منه عددا، أي خالف الثقات الكثيرين، والخطأ إلى الواحد أقرب منه إلى العدد، فإنَّ متابعة واحد لواحد تعد تقوية، وانفراد واحد يعرضه للخطأ، فالشاذ هو من مباحث المتن، إذا روى إنسان متن حديث على صفة، ورواه بقية الرواة على صفة أُخرى. حكم الشاذ: إذا عرفنا أنه قد خالف من هو أوثق منه، فإنَّا نرجح رواية الجميع على رواية الواحد، وَنَرُدُّ روايته، ونقول: هذا حديث شاذ مردود لانفراده، لكن إذا زاد الثقة فيه زيادة مستقلة، وأمكن أن الآخرين اختصروها فإنَّ زيادته مقبولة، والبحث فيها مستفيض، وتسمى زيادة الراوي الثقة، مثاله حديث: { لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله } أخرجه مسلم في كتاب المساقاة باب لعن آكل الربا ومؤكله حديث رقم 1597 من طريق مغيرة قال: سأل شِبَاكٌ إبراهيم، فحدثنا عن علقمة، عن عبد الله -بن مسعود- قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤْكِله، قال: قلت: وكاتبه وشاهديه؟ قال: إنما نحدث بما سمعنا. وأخرجه مسلم من حديث جابر قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤْكِله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء" حديث رقم 1598. فإن أكثر الرواة اقتصروا على ذلك، وزاد بعض الرواة: { " وكاتبه وشاهديه .. " } إلخ، فنقول: الذين اختصروا الحديث اقتصروا على ما سمعوا، فقد يكون شيخ أحدهم اختصره؛ لأنه حدَّث به إنسانا يريد أن يأكل الربا فاقتصر على أول الحديث، ولم يكن هناك موجب لتكميله، وعلى هذا فزيادة الثقة تكون بمنزلة الحديث المستقل، ونقول: إن هذا الراوي لو انفرد بحديث مستقل لقبلنا روايته لثقته، فهكذا إذا زاد في هذا الحديث فإنَّ زيادته مقبولة إذا لم تكن مخلة بباقي الحديث. |