إِبدالُ رَاوٍ ما بِرَاوٍ قِسْمُ وقَلْبُ إِسْنَاد لِمتنٍ قِسْمُ الحديث المقلوب: قوله: (إبدال راو ما براو قسم...وقلب إسناد لمتن قسم). (المقلوب) قال السخاوي: وحقيقة القلب تغيير من يعرف بروايةٍ ما بغيره عمداً أو سهواً" اهـ فتح المغيث 1/318. والقلب يكون تارة في الإسناد، وتارة في المتن، وتارة يكون في المتن والإسناد، فالإسناد كأن يُبْدِلَ راويا براو إذا كان بينهما تقارب في اللفظ، كأن يُبْدِلَ عاصِما الأَحْوَل بواصِل الأحْدَب لتقاربهما في اللفظ والسمع، مع اختلافهما، أو يبدل يحيى بن بكير بيحيى بن أبي بُكير يحيى بن بُكير هو يحيى بن عبد الله بن بُكير القرشي المخزومي أبو زكريا المصري. ويحيى بن بكير اسمه نسر ويقال بشر بن أسيد العبدي الكوفي. وكلاهما من الرُّواة، فالأول هو يحيى بن عبد الله بن بكير يروي عنه البخاري كثيرا فيقول: حدَّثنا يحيى بن بكير، وأما الثاني فروى عنه ابن أبي شيبة وغيره وهو من رجال الصحيحين، فإبدال راوٍ براوٍ يُسمى قلبا، يُقال: انقلب هذا الحديث على فلان، فجعله عن شيخه فلان وقد أخطأ. أنواع القلب: وقد يكون قلب الإسناد بإبدال راوٍ ثقة براوٍ ضعيف أو بالعكس، ولا شك أنه إن كان الأصل أنه ضعيف وانقلب براوٍ ثقة، فإنه يعد مردودا، فكثيرا ما يروى حديث عن عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف، فينقلب على بعضهم بعبيد الله بن عمر هو أخوه الثقة، ويقال: هذا الحديث انقلب على الدراوردي مثلا ، أو انقلب على غيره من عبد الله إلى عبيد الله العمري وهذا طعن في الحديث. ومن أنواع الانقلاب: أن يحول متن إلى إسناد حديث آخر أو بالعكس، وقد يكون عمدا كما وقع لجماعة من أهل بغداد لما قدِم عليهم البخاري قلبوا له أسانيد مائة حديث، جعلوا إسناد هذا لمتن هذا وإسناد هذا لمتن هذا، وأعطوها عشرة أشخاص، لكل شخص عشرة أحاديث، وقالوا له أي للشخص إذا اجتمعوا عنده فاسأله عن عَشَرتك، ففعل الأول وكلما حدَّثه بحديث قال: لا أعرفه، حتى تم عشرته، وجاء الثاني وهكذا حدّثه بالعشرة، وقال: لا أعرفها، فأما عوام الناس فقالوا: إنّه غير حافظ، كيف مر عليه مائة حديث وهو لا يعرفها، وأما أهل العلم الذين عملوا هذه الحيلة فإنهم عرفوا أنه قد فَطِن. ولما أكمل العشرة أحاديثهم رجع إلى أولهم، وقال: حديثك الأول حدَّثناه فلان عن فلان عن فلان، وحديثك الثاني والثالث إلى أن تمم عشرته، وهكذا حتى أتمهم، فردّ الأسانيد إلى متونها والمتون إلى أسانيدها، فاعترفوا له بالفضل، وهذا يسمى قلب إسناد إلى متن للاختبار. وقد يكون القلب في نفس المتن، بأن تنقلب كلمة بدل كلمةٍ على بعض الرواة، مثاله حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، وفيه: { ورجلٌ تصدّق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه } أخرجه البخاري في كتاب الجماعة والإمامة باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد حديث رقم 629، من حديث أبي هريرة باللفظ الأول. وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة، "هكذا وقع في جميع نسخ مسلم في بلادنا وغيرها، وكذا نقله القاضي عن جميع روايات نسخ مسلم "لا تعلم يمينه ما تنفق شماله" والصحيح المعروف "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" هكذا رواه مالك في الموطأ والبخاري في صحيحه وغيرهما من الأئمة، وهو وجه الكلام، لأن المعروف في النفقة فعلها باليمين، قال القاضي: ويشبه أن يكون الوهم فيه من الناقلين عن مسلم لا من مسلم، بدليل: إدخاله بعده حديث مالك رحمه الله، وقال بمثل حديث عبيد وبين الخلاف في قوله: وقال: "رجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود" فلو كان ما رواه مخالفاً لرواية مالك لنبه عليه كما نبه على هذا" اهـ. شرح صحيح مسلم 7/122. قال ابن حجر: "وليس الوهم فيه ممن دون مسلم، ولا منه، بل هو من شيخه أو من شيخ شيخه يحيى القطان..." انظر فتح الباري 2/171. انقلب على بعض الرواة فقال: " حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ". وهذا انقلاب في المتن. ومثله حديث في الشفاعة، وفيه: { أن النار يبقى فيها فضل، ويبقى في الجنة فضل، قال: فأما النار فينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فيها } أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب قوله "وتقول هل من مزيد" رقم 4569، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء رقم2846 من حديث أبي هريرة ولفظه: "وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشيء لها خلقاً". وأخرج البخاري في كتاب التوحيد، باب ما جاء في قول الله تعالى: (إن رحمة الله قريب من المحسنين) من حديث أبي هريرة ولفظه: "وإنه ينشيء للنار من يشاء فيلقون فيها" رقم7011. (انظر: حادي الأرواح لابن القيم ص369، وفتح الباري لابن حجر 13/446). وهذا انقلاب، والصواب أنه ينشئ للجنة، وتأبى حكمته أنه ينشئ للنار خلقا ما عملوا أعمالا سيئة فيدخلهم النار بلا ذنب، أما الجنة فينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فيما فيها من الفضل. والحاصل أن هذا يسمى انقلابا في المتن، وذكر ابن القيم أيضا له مثالا وقال: إنه انقلب على بعض الرواة، وهو حديث أبي هريرة الذي يقول فيه: { إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه } وقال: إن آخره يخالف أوله، فإن البعير يقدم يديه في البروك قبل رجليه، وأنكر أن ثفنات اليدين تسمى ركبا، بل الركبة دائما في الرجل وقال: لعله انقلب على بعض الرواة وأن صوابه وليضع ركبتيه قبل يديه، وذكر أنه كذلك وقع عند ابن أبي شيبة في المصنف: { إذا سجد أحدكم فيضع ركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروك الفحل } ولو كان سنده ضعيفا لكنه وافق الأصل، فترجح بذلك أن الحديث منقلب على بعض الرواة كالداراوردي أو محمد بن عبد الله بن الحسن وكلاهما فيه مقال يضرُّ مع التفرد والمخالفة. وعلى كل حال فإن الانقلاب يُرْجَعُ فيه إلى أصل الحديث، فإذا خفْتَ أَن يكون هذا الحديث مما انقلب على بعض الرواة فارجع إلى أصل الحديث ثم اطرح الرواية المنقلبة، ويعد الانقلاب قدحا في الرواية ونقصا في الحديث؛ لأنه خطأ وقع إما في المتن وإما في الإسناد وللقلب أسباب منها الوهم أو السهو، والاختبار، والإغراب، وسوء الحفظ فإن كان القلب للإغراب فلا شك أنه لا يجوز ذلك، وإن كان للاختبار فهذا جائز وإن كان عن خطأ ووهم وبغير قصد فيعذر فاعله إلا إذا كثر منه ذلك فحينئذ يدل هذا على سوء حفظه والله تعالى أعلم. . |