والكذِبُ المختلَقُ المصنُوعُ عَلَى النبي فذلِكَ الموْضوعُ الحديث الموضوع: قوله: (والكذب المختلق المصنوع...على النبي فذلك الموضوع). (الموضوع): لمزيد من الفائدة انظر الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للمحدث أحمد شاكر رحمه الله مبحث الموضوع، النوع الحادي والعشرون 1/237. هو الذي تَحَقَّقَ أَنه مكذوب، واشتقاقه من وضع الشيء أي ابتدأه، ويسمى المختلق، كأن صاحبه هو الذي اختلقه يعني افتراه، ويسمى المكذوب، فالمكذوب والمفترى والمختلق والموضوع والمصنوع معناها واحد، والوضع في الحديث قد وجد منذ زمن بعيد. أسباب وضع الأحاديث: والواضعون للحديث أصناف فهناك أُناس ضعافُ الدِّين وضعوا أحاديث انتصارا للمذاهب، كما روي أن رجلا حنفيا أراد أن يرفع من قدر إمامهم أبي حنيفة ويضع من قدر الشافعي محمد بن إدريس -رحمه الله- فاختلق حديثا بلفظ: "يكون في أُمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أُمتي من إبليس، ويكون في أُمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أُمتي" أخرجه الجورقاني في الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير رقم 266، وابن الجوزي في الموضوعات 2/28، وقال: موضوع لعن الله واضعه. قال الشوكاني: هو موضوع وفي إسناده وضاعان، مأمون بن أحمد السلمي، وأحمد بن عبد الله الجويباري، والواضع له أحدهما هـ. الفوائد المجموعة ص420. فعرف وضعه بظهور آثار الاختلاق عليه. وذكروا أن رجلا جاءه ولده يشكو المعلم الذي يعلم القرآن أنه ضربه، فقال: لأفضحنَّ المعلمين اليوم، ثم رَكَّبَ إسنادا له إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وافترى حديثا بلفظ: "مُعلِّمُو صبيانكم شرارُكم أقلهم رحمةً لليتيم، وأغلظهم على المسكين" الكامل لابن عدي 3/1271 والمجروحون لابن حبان 1/266ـ، والموضوعات لابن الجوزي 1/223. أو نحوه، فاعترافه بأنه سيفضح المعلمين دل على أنه اختلق ذلك وكذب. وقد يكون مما يدل عليه قرائن الحال، ففي مجلس من المجالس اختلفوا مرة فقال بعضهم: سمع الحسن من أبي هريرة فأنكره بعضهم، فكان بينهم واحد من الوضَّاعين فَرَكَّبَ له إسنادا وفيه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " سمع الحسن من أبي هريرة " ) انظر فتح المغيث للسخاوي 1/314، والنكت على مقدمة ابن الصلاح لابن حجر 2/842. ومعروف أن الحسن ما رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا تكلم في حقه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشيء، ولكن هذا دليل على الافتراء. وقد يكون بعض من يضع الأحاديث يريد التَّقَرُّبَ بها إلى الملوك، كما ذكروا أن أحد الوضَّاعين دخل على المهدي وإذا المهدي -وهو خليفة- يلعب الحمام، يُطَيِّرُهُ من هنا، ويقع هنا، فيعجبه طيرانه من هنا ومن هنا، فيقول: إذا سبقت الحمامة الفلانية أو التي لونها كذا فَعَلَيَّ كذا، فأراد الوَضَّاعُ أن يفتري حديثا يقوِّي فعل المهدي فروى حديثا فيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " لا سَبَق إلا في نَصل أو خُفٍ أو حافرٍ أو جناح" فكلمة "جناح" زادها كذبا من قِبَل نفسه، يريد بذلك الجائزة وقد أعطاه عشرة آلاف درهم، فلما خرج قال المهدي: أشهد أن قفاك قفا كذاب، ثم قال المهدي أنا الذي حملته على الكذب، ثم أمر بالحمام فذُبح لقد أمر بذبحها لكنه أعطاه عشرة آلاف درهم وكان عليه -كما قال الدكتور السباعي- أن يؤدب هذا الكذاب لا أن يمنحه عشرة آلاف فيعاقب البريء بالذبح ويثيب الكذاب بالعطاء نعم قال له بعد أن ولَّى أشهد أن قفاك كذاب لكن هذا القول لا يكفي!! (السنة للدكتور مصطفى السباعي ص88-89، وانظر أصول الحديث للدكتور محمد عجاج الخطيب ص454-455). فهذا كذب للتقرب إلى الملوك، ومعلوم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما قال (أو جناح). وهناك من يكذب احتسابا كما رُوِيَ أن بعض القصاص ونحوهم يضعون على الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحاديث في فضل السنة، وفي فضائل الأعمال وما أشبهها، فقيل لهم: كيف والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: { من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار } فقالوا: نحن ما كذبنا عليه، إنَّما كذبنا له، أي ننصر بذلك سنته، ونجلب الناس إلى شرعه، فنكذب في فضائل الأعمال؛ لأجل أن نرغب الناس فيها بأحاديث في فضل الصلاة وأحاديث في فضل الجهاد، وأحاديث في فضل الأعمال وفعل الخيرات وما أشبهها، فيُقال لهم: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد عمم في قوله: { من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار } هذا الحديث متواتر جمع طرقه الحافظ الطبراني في جزء لطيف وقد طبع بتحقيق الشيخ علي حسن عبد الحميد وآخر. وانظر نظم المتناثر للكتاني ص28. . وهذا آخر الكلام على هذه المنظومة: وقد أتتْ كالجَوْهَرِ المكْنُــــــونِ سمَّيتُها منظـــُومَةَ البَيْقـُوني فوقَ الثلاثينَ بأَربَعٍ أَتـــــــت أَبياتُها ثُمَّ بخَيرٍ خُتــــــِمَت والله أعلم وأحكم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. |