ومتى بذلوا الواجب عليهم من الجزية وجب قبوله منهم، وحرم قتالهم وأخذ مالهم، ووجب دفع من قصدهم بأذى ما لم يكونوا بدار حرب. وذلك لأنهم ما بذلوا الجزية إلا ليأمنوا على دمائهم وأموالهم ونسائهم، فإذا بذلوا الجزية والتزموا أحكام الإسلام -كما سيأتي- فإنهم يقبل ذلك منهم، ويؤمنون على محارمهم وأموالهم، ومن اعتدى عليهم يعاقب ويدفع؛ يدفع من اعتدى عليهم أو ظلمهم، يؤخذ الحق ممن ظلمهم، وكذلك يعطون التصرف في أموالهم ولكن التصرف الذي يقره الإسلام؛ لأنا نقرهم على أحكام الإسلام فلا يستعملون الربا حتى مع أفرادهم؛ لأن الربا محرم في ديننا، ولا يظهرون شرب الخمر ولا بيعها علنا، وأما إذا شربوها في داخل بيوتهم فإنهم يرون أنها مباحة لهم فلا يعاقبون ولا يمنعون. كذلك أيضا يمنعون من الزنا؛ لأنهم يعتقدون تحريمه. وإذا فعلوا شيئا من هذه الأمور التي يمنعها الإسلام فإنهم يقاتلون وينتقض بذلك عهدهم؛ لأن الإسلام إنما أقرهم على أن يعملوا بتعاليمه ولو لم يلتزموا بالعبادات الإسلامية. لا نلزمهم بأن يصلُّوا، ولا بأن يزكوا، ولا بأن يصوموا معنا أو يحجوا معنا أو يجاهدوا معنا، ولا نلزمهم بأن يقرءوا القرآن؛ كتابنا، ولا بأن يتركوا قراءة الإنجيل أو غيره من الكتب التي عندهم، ما نلزمهم بذلك. إنما نلزمهم بالتعاليم الظاهرة التي هي أحكام الإسلام، وسيأتينا شيء من تفصيله. والحاصل أنهم إذا بذلوا الجزية والتزموا بأحكام الإسلام فإنهم يؤمنون على أنفسهم وعلى أموالهم وعلى ذراريهم وعلى تجاراتهم وصناعاتهم ونحوها، ويقرون عليها، وكذلك أيضا يُدفع عنهم من اعتدى عليهم ظلما وعدوانا، يمنع ويقاتل أو يحبس حتى ينزجر هو وأمثاله. نعم. |