والعين هنا مقابل المنفعة فتتناول ما في الذمة كالبغل والحمار؛ لأن الناس يتبايعون ذلك في كل عصر من غير نكير. قوله: أن تكون العين مباحة النفع من غير حاجة؛ يريد بالعين ما يقابل المنفعة، وقد تقدم في أول الباب أن البيع له تسع صور، وهي أن يكون المبيع إما عينا أو دينا أو منفعة تضرب الثلاثة في ثلاثة فتكون تسعة. فالعين في قوله: "أن تكون العين مباحة النفع" هي مقابل المنفعة، المنفعة كذلك أيضا يشترط أن تكون مباحة، وإلا فلا يصح العوض فيها، وسيأتينا أمثلة للمنفعة غير المباحة في غير هذا الباب؛ فمثلا الجارية التي منفعتها الغناء مغنية مطربة لا يجوز بيعها لأجل غناها يقولون: الزيادة التي تقابل الغناء محرمة لو كانت قيمتها وهي ساذجة جاهلة ألف، وقيمتها بعد أن تعلمت الغناء والطرب عشرون ألفا فإن الذي يبيعها بعشرين ألف قد أكل حراما؛ هذه الزيادة محرمة. وكذلك ما فيه منفعة محرمة يعني الطبل منفعته محرمة، والعود الذي به منفعته محرمة، والأشرطة التي فيها مثلا ما سجل من الأشياء المحرمة كصور وغناء ونحو ذلك قيمتها حرام ومنفعتها حرام، وكذلك الصحف الماجنة والمجلات الخليعة الهابطة الممتلئة بالصور الفاتنة والمقالات المحرمة. قد يقول قائل: إن فيها منفعة إن هناك من يقرءونها للتسلية، وهناك من يقرءونها للتفكر نقول: إن هذه المنفعة منفعة محرمة، وسوف يجدون ما يتسلون به بدلها والمنفعة التي فيها ضررها أكبر من نفعها فلا يجوز تعاطي مبادلتها. نعم. .. ثم مثل لما منفعته مباحة كأنه قيل أن تقول فلا بد أن تكون العين مباحة النفع من غير حاجة فما مثال ذلك؟ فقال كالبغل والحمار ودود القز وبذره هذه أمثلة لما منفعته مباحة من غير حاجة، البغل لا يؤكل لحمه ولكنه ينتفع به في الحمل وفي الركوب، كذلك الحمار لا يؤكل لحمه ولا يشرب لبنه ولكنه ينتفع به يركب ويحمل عليه فهو فيه منفعة، ولو أن إنسانا اقتنى حمارا وهو لا يريد ركوبه لم ننكر عليه لو قال: أنا عندي خيول وعندي إبل أو عندي سيارات وعندي دراجات ولكن محتاجا إلى ركوبه أو للنقل عليه؛ لأنه من جنس ما يتبايعه الناس، الناس يتبايعون الحمر والبغال من غير نكير. نعم. |