ومن اشترى متاعا فوجده خيرا مما اشترى فعليه رده إلى بائعه. قد يقع هذا أيضا في كثير من الباعة؛ وذلك لأن البائع أحيانا لا يعرف قدر السلعة. لا يعرف قيمتها، أو لا يعرف كثرتها، فيبيعها رخيصة، والمشتري إذا اشتراها وقبضها وجدها أكثر مما اشترى. ففي هذه الحال يلزم المشتري أن يرد الزائد؛ يرده على البائع. فمثلا: إذا كان البائع يظن أن هذا الكوم ليس فيه إلا خمس حبات مثلا من البطيخ أو من القرع أو نحو ذلك، ولكن كان قد اختفى منه مثلا مثلها، فاشتراها المشتري يظنها خمسا، فوجدها عشرا. ففي هذه الحال يرد الزائد على البائع. يعرف بذلك أن البائع أنه غفل عن الزيادة، وأنه ما شعر بها؛ حيث أعطاني أكثر مما اشتريت. وكذلك أيضا بقية الأمثلة قد يكون المشتري اهتبل غفلة البائع، فأخذ شيئا أكثر مما يستحق، وقد يكون المشتري عرف أن السلع قد ارتفعت، وزادت قيمتها، فجاء إلى البائع وهو لا يدري، فغشه وخدعه، واشترى منه شيئا رخيصا، وهو لا يدري؛ البائع لا يدري بأنه غال، فمثلا إذا جاء بائع الخضار بسيارته وأوقفها، وجاءه أحد المشترين، وقال له: إن السلع رخيصة، وإن البيع كاسد، وإن الأسواق مليئة بهذا، وإنها لا تساوي شيئا. وأخذ يكسله ويخطئه إلى أن انخدع بذلك فباعه باعه برخص، ففي هذه الحال يعتبر المشتري قد خدع وقد غش، ويدخل في الغش الذي قال فيه: { من غش فليس مني } أو { من غشنا فليس منا } ؛ وذلك لأن كل مسلم عليه أن ينصح لإخوته المسلمين. يدخل ذلك في باب النصيحة. فلا يجوز لك أن تخدع البائع وتشتري منه برخص، وأنت تعلم أنه لا يعرف قيم السلع، ولا يجوز لك أن تبيع على المغفل بيعا رفيعا غاليا، وأنت تعلم أنه غافل لا يدري أن هذه قيم السلع، بل على المشتري أن يدل البائع على ما هي القيمة فيخبره ويقول: إن القيم كذا وكذا. إن الذين يشترون من أهل الجلب يشترون بكذا ويبيعون بكذا. فأما كونه يكسله ويخذله إلى أن يخدعه فيبيعه بشيء رخيص، فمثل هذا غش يعتبر خديعة من مسلم لمسلم. وكذلك أيضا إذا جاء المشتري، وطلب شراء سلعة وهو جاهل بها، فالبائع عليه أن يبيع مثل غيره. لا تبع على الجاهل أكثر من بيعك على المماكس فالذي يعرف السلع إذا جاءك مثلا تبيعه السلعة مثلا بعشرين، وإذا جاءك الجاهل بعته بخمسة وعشرين أو بثلاثين. فعليك أن لا تخدعه لكونه جاهلا، ولكن يتسامح في الفرق اليسير. الفرق اليسير الذي يعني: زيادة ريال أو ريالين في العشرين أو في الثلاثين أو نحو ذلك. وبكل حال فالأصل أن المسلم ينصح لإخوته المسلمين، ويحب لهم الخير، ويدلهم على خير ما يعلمه لهم، ويحذرهم عن شر ما يعلمه لهم، ولا يستأثر بالمصلحة دونهم، فكونه مثلا يستبد بالمصلحة ويصطفي لنفسه الفوائد، فيجلب لإخوانه المسلمين الخسران سواء كانوا من المستهلكين أو من التجار أو نحو ذلك. فهذا ضرر من المسلم للمسلم وفي الحديث: { لا ضرر ولا ضرار } وإنما على المسلمين التناصح بينهم ومحبة الخير لهم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } وهذه المحبة الإسلامية آثارها النصح والدلالة على الخير، والتحذير من الشر، فإذا جاءك من يريد شراء سلعة صالحة سليمة من العيب، فانصح له. أنت تعرف أن كل مسلم لا يحب أن يشتري معيبا. لا يحب أن يشتري شيئا فاسدا، بل قصده الانتفاع بما يشتريه. لا يشتري إلا شيئا صالحا سالما من العيوب؛ إن كان مأكولا فهو صالح للأكل، وإن كان مستعملا فهو صالح للاستعمال، فلا بد أن تدله على ما هو الصالح، ولا تقدم له شيئا فاسدا، وأنت تعلم أنه فاسد، وتقول: أجتلب مصلحة نفسي، ولا يضرني مثل ضرر غيري. هذا بلا شك من الغش والخداع والضرر بالمسلمين، فعلى كل مسلم أن يكون مجتهدا في النصح والبيان ليكون ذلك دليلا على صدق الأخوة، والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد . |