بسم الله الرحمن الرحيم قال المؤلف -رحمه الله- ولا يذبح لغيره، ولا ينذر لغيره، لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، فمن استغاث بغيره فقد كفر، ومن ذبح لغيره فقد كفر، ومن نذر لغيره فقد كفر وأشباه ذلك. وتمام هذا.. أن تعرف أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا يدعون الصالحين مثل الملائكة و عيسى وأمه و عزير وغيرهم من الأولياء، فكفروا بهذا؛ مع إقرارهم بأن الله -سبحانه وتعالى- هو الخالق الرازق المدبر. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. عرفنا أن عبادة الله هي التقرب إليه بكل طاعة، وأن جميع الطاعات تسمى عبادات، لماذا؟ لأن المخلوق والمتقرب بها والمطيع يتذلل حال أدائها، والتذلل هو التعبد، فإذا ركع فقد تذلل، وإذا سجد فقد تذلل، وإذا وقف خاشعا فقد تذلل، وإذا ذبح لمخلوق فقد تذلل له، وإذا نذر له فقد تذلل له، وقد تواضع له، وكذلك إذا دعاه وإذا استغاث به وإذا خافه وإذا رجاه وإذا توكل عليه وإذا أحبه محبة قلبية، وهكذا جميع القربات والطاعات. هذا سبب تسميتها عبادة؛ لأن الذي يفعلها يكون متذللا، والتذلل هو التعبد، ولا يصلح إلا للخالق -تعالى- الذي خلقنا وجعلنا عبيدا له فنحن عبيد له، لماذا؟ لأننا نتذلل له، ونحن عبيد له؛ لأنه يملكنا ويتصرف فينا. قد ذكرنا أن العبودية قسمان: عامة، وخاصة. فالعامة: تعم جميع الخلق.. المؤمن والكافر، والبر والفاجر. كيف كانوا عبيدًا مع أنهم لا يتعبدون أو أكثرهم؟ الجواب: لأنهم ملك للمعبود، يتصرف فيهم كما يتصرف السيد في عبيده، فهو يُميت ويُحيي، يَرِيشُ ويَبْرى، يفقر ويغني، يمنع ويعطي، يصل ويقطع، يخفض ويرفع، يعطي ويمنع، يتصرف فيهم؛ فلذلك كانوا كلهم عبيدًا لله -تعالى- قال الله تعالى: { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } { وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ } والآيات كثيرة في أن جميع الخلق عبيد لله. وأما النوع الثاني: فهم العباد المتعبدون، الذين عبّدوا أنفسهم لربهم، وتذللوا له وتخشعوا وتخضعوا واستكانوا وأنابوا وخشعوا وخضعوا وأطاعوا، فهؤلاء عبوديتهم عبودية خاصة، ذُكروا في قول الله تعالى: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا } هؤلاء هم أهل العبودية الخاصة، الذين حقا أنهم عبيد الله الذين عبدوه، وذكروا في قوله تعالى: { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا } إلى آخر الآية، أي: الذين عبدوه، وحققوا العبودية له. ثم نعرف أن كل من صرف شيئا من أنواع الطاعات والقربات لمخلوق فقد عبده -شاء أم أبى- ولا ينفعه قوله: إننا ما عبدناهم؛ وذلك لأن العبرة بالحقائق؛ فإنه قد عبدهم ولو لم يسم فعله عبادة، فيكون هذا هو حقيقة التأله -أي- حقيقة كونه اتخذ الله تعالى إلها ومعبودا وربا، ورجاه وتقرب إليه، وأطاعه وامتثل أمره، وصد بقلبه عن غير ربه، ولم يصرف شيئا من أنواع الطاعات لأية مخلوق -حي أو ميت، صغير أو كبير، ولي أو غيره- فهذا هو الذي أخلص لله تعالى، وهذا هو حقيقة توحيد الإلهية الذي هو التوحيد العملي الطلبي الأمري القصدي الإرادي، توحيد العبادة: وهو ألا يدعى إلا الله، ولا يرجى غيره، ولا يستغاث بغيره، ولا يذبح لغيره، ولا ينذر لغيره، لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل؛ فضلا عن غيرهما. فمن استغاث بغير الله فقد كفر. والمراد بالاستغاثة -هنا- الدعاء من المكروب. المكروب إذا وقع في شدة فدعا يسمى دعاؤه استغاثة، ومن ذلك: دعاء المسلمين إذا اشتد القحط واحتاجوا إلى المطر فإنه يسمى استغاثة. وكل دعاء من مكروب يسمى استغاثة، ويسمى العطاء الذي يعطيه غوثًا؛ فلذلك يسمى المطر غوثًا؛ لأن الله يعطيهم وهم بحاجة في قوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا } المطر اسمه مطر واسمه ماء؛ ولكن إجابة دعوتهم وإعطاؤهم.. هذا هو الغوث. في حديث أم إسماعيل لما نفد الماء معها، ثم ذهبت تطلب، صعدت الصفا ثم المروة سعت بينهما سبع مرات، ثم سمعت صوتا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غوث، أو إن كان عندك غياث. يعني: تفريج كربة، تفريج تلك الكربة التي تنزل بالإنسان تسمى غوثا. فإذا دعا المسلمون ربهم بالمطر، فأنزل عليهم المطر، فهذا المطر غوث؛ لأن دعاءهم دعاء مكروب، وإذا كانوا -مثلا- في خوف من العدو ودعوا ربهم كان ذلك الدعاء استغاثة، فإذا نصرهم فذلك النصر غوث وغيث. ذكرنا بالأمس قول الله تعالى قوله: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } لما أقبل المشركون من مكة في بدر وخاف المسلمون لقلة عددهم وكثرة أعداد المشركين دعوا ربهم في شدة، فكان هذا الدعاء استغاثة من مكروب. فغوثهم هو النصر الذي أنزله الله { فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } فهؤلاء الملائكة هم الغوث. فإذا كان الإنسان في كرب وشدة؛ فإنه إذا دعا الله -تعالى- يسمى دعاؤه استغاثة، والله -تعالى- يجيبه في تلك الحال إذا كان مخلصا. ذكر ابن كثير في تفسير سورة النمل: أن إنسانا كان سائرا في طريق ومعه بضاعة له، فاعترصه أحد قطاع الطريق فقال: استسلم فإني سوف أقتلك. فقال: خذ البضاعة واتركني. فقال: البضاعة لي؛ وإنما أريد قتلك. فقال: أمهلني أصلي ركعتين. يقول: فكبرت أصلي ركعتين، وقرأت قول الله تعالى: { أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } أخذ يردد هذه الآية، فلما سلّم وإذا فارس قد أقبل لا يعرفه، فجاء إلى ذلك القاطع فقتله، طعنه وقتله، فقال له ذلك المسافر: من أنت فقد أغاثني الله بك؟! فأخبره بأنه من الملائكة، لما قرأت هذه الآية استأذن ربه أن أغيثك، فأنزله الله لغيثه لما أنه كان مكروبا في غاية الكرب. هكذا ذكر القصة ابن كثير في التفسير عند هذه الآية من سورة النمل، دليل على أن المضطر إذا دعا الله -تعالى- بشدة، وهو في حالة الضرورة أنه يجيب دعوته. |