بسم الله الرحمن الرحيم قال المؤلف -رحمه الله- واكفروا بالطواغيت، وعادوهم، وأبغضوهم، وأبغضوا من أحبهم، أو جادل عنهم، أو لم يكفرهم، أو قال: ما علي منهم، أو قال: ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله وافترى؛ فقد كلفه الله بهم، وافترض عليه الكفر بهم، والبراءة منهم؛ ولو كانوا إخوانهم، وأولادهم. فالله.. الله.. يا إخواني: تمسكوا بذلك؛ لعلكم تلقون ربكم وأنتم لا تشركون به شيئا. اللهم توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين. ولنختم الكلام بآية ذكرها الله –تعالى- في كتابه، تبين لك: أن كفر المشركين من أهل زماننا أعظم من كفر الذين قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا } . السلام عليكم ورحمة الله،، بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله، وسلم على أشرف المرسلين: نبينا محمد وعلى آله، وصحبه أجمعين. قال الله تعالى: { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا } وقال تعالى: { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى } . { فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } الطاغوت قيل: إنه كل ما عُبد من دون الله. وفسره ابن القيم بقوله: الطاغوت: من تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع فهو طاغوت. ومعنى تجاوز الحد: يعني: أن يتعدى الإنسان طوره؛ وذلك أن الإنسان مربوب، ومخلوق، فإذا تعدى حده، ورفع نفسه، أو رفعه غيره، وادعى أنه شريك لله -تعالى- أو جعل له شيء من حق الله؛ فإنه يسمى طاغيا، وطاغوتا؛ لأنه قد طغى، وبغى، وتجبر، واعتدى. ومن أولئك: الكهنة؛ فإنهم طواغيت؛ لأنهم يدّعون علم الغيب. ولهذا قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ } أي: يحبون حكم الطاغوت، ويقدمونه على حكم الله. ذُكر في الأحاديث: أنه وقع خصومة بين منافق ويهودي، فقال المنافق: نتحاكم إلى طاغوت يهودي يقال له: كعب بن الأشرف نتحاكم إليه. وطلب اليهودي التحاكم إلى محمد ؛ لعلمه بأنه لا يأخذ الرشوة، فنزلت هذه الآية: { يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ } وقال الله -تعالى- في آية أخرى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } ثم قال: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ } هؤلاء منافقون ويهود؛ يزكون أنفسهم؛ وهم مع ذلك يؤمنون بالجبت والطاغوت. الجبت: هو السحر. والطاغوت: هو الشياطين، والكهنة. ثم هؤلاء الذين عبدوا من دون الله يصدق عليهم أنهم طواغيت؛ ولو أنهم ما رفعوا أنفسهم، إذا رفعهم غيرهم، فالقبور التي شيدت ورفعت، وصار الناس يتهافتون إليها، ويأتون إليها من أماكن متعددة، ثم يعكفون عندها، لا شك أنهم قد جعلوا ذلك المشهد طاغوتا؛ يعني: أنهم رفعوه؛ فيدخلون في قوله تعالى: { يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ } ويجب على المؤمنين أن يكفروا بها؛ لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا } ونقول: ما نهاية الطواغيت، وما نهاية أتباعهم؟ قال الله تعالى: { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ } يعني: جنس الطواغيت أحياء وأمواتا. فيقال للذين يعظّمون الأموات: هؤلاء الذين تعظمونهم، هؤلاء المقبورون قد جعلتموهم طواغيت؛ فهم في الحقيقة.. يخرجونكم من النور -أي- من الإسلام إلى الظلمات. يعني: إلى الكفر والشرك؛ فلذلك نتواصى بأن نعمل بهذه الآية: { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } . من كفر بالطواغيت فمعناه: أنه تبرأ منهم، ومقتهم، واحتقرهم، وحقر شأنهم، وابتعد عنهم، وحذر من الغواية بهم؛ أياً كان ذلك الطاغوت. يدخل في الطاغوت: دعاة الضلال الذين يدعون من دون الله، يدعون الأموات، ويدعون الناس إلى دعائهم، هؤلاء طواغيت؛ الدعاة إلى الشرك، وكذلك الدعاة إلى الحكم بغير ما أنزل الله يدخلون في اسم الطاغوت؛ وذلك لأنهم يدعون إلى الكفر والشرك، يدعون إلى الخروج عن الإسلام، يدعون إلى البدع والمعاصي والمحرمات؛ فكأنهم أعوان للشيطان، وأعوان للطواغيت من الإنس؛ فيكونون طواغيت. عد العلماء من الطواغيت: من عُبد وهو راض، أقر الناس على عبادته -يعني- على تعظيمه بشيء لا يستحقه إلا الله. فإذا كانوا يتمسحون به، ويتبركون بتربته، أو يتمسحون بثيابه، أو يشربون غسالة يديه، أو غسالة ثوبه تبركا واستشفاء؛ فإنه يكون بذلك قد عُبد من دون الله. وكذلك إذا كانوا يقدمون قوله على غيره، يقدمون كلامه وقوله على حكم الله وعلى شرع الله؛ فإنهم بذلك قد عبدوه، الواجب أن يقدم الحق، وأن يقدم الدليل، الواجب أن يكون الدليل مع الناس مع من يدعو إليه، فإذا كان الإنسان يأتيه الدليل، وتأتيه الآيات البينات؛ وهو مع ذلك لا يعمل بها؛ بل يعمل برأيه ويخالفها فهو بذلك يدعو إلى بدعته، يدعو إلى الضلالة، يدعو إلى الكفر، وإذا ضل الناس الذين يضلهم؛ فإنه يعتبر بذلك قد كفر، ويعتبر الذين يعظمونه قد أقروه على كفره، وقد أصبح طاغوتا. ليس من شرط ذلك أن يقول: اسجدوا لي واركعوا لي وادعوني من دون الله؛ لكن إذا كان يقرهم على أنهم يقدمون قوله على كلام الله فقد جعل طاغوتا، إذا كان يقرهم على أنهم يتبركون بمائه، أو يتبركون بغسالة يديه، أو يتمسحون به، ويمسحون وجوههم ببلل يديه؛ فذلك عبادة له؛ وإن لم تسم عبادة، فقد وصل إلى حكم، أو وصف الطاغوت. وكذلك عدوا من الطواغيت: من دعا الناس إلى عبادة نفسه، يعني: كثيرا من غلاة المتصوفة إذا وصل إلى حالة خاصة، يدعي أنه قد تجاوز حد العبودية، وقد دخل في طور الربوبية، وقد وصل إلى حالة يكون فيها ممن يعلم الغيب، ويستحق أن يعظم، ويقدس، فكأنه يقول: أيها الناس.. هلموا إلي؛ فإني أتصرف فيما يتصرف فيه ربكم؛ فبذلك يكون قد دعا الناس إلى عبادة نفسه. يدخل في الطواغيت: الذين يدعون علم الغيب، يدعون أنهم يعلمون المغيبات كالكفار والسحرة ونحوهم. يستدلون على المغيبات بمقدمات يستدلون بها على المسروق ومكان الضالة؛ فينخدع الناس بهم، ويقولون: هذا يعلم المغيبات. وفي الحقيقة.. لا يعلم الغيب؛ لأنه بشر، والغيب لا يعلمه إلا الله؛ ولكن قد يتكلم الشيطان على لسانه، إذا لابسه شيطانه تكلم، فيأتيه إنسان قد سُرق متاعه، فيقول: الذي سرقه اسمه كذا، وصفته كذا، ويأتيه إنسان قد ضلت راحلته، ضاعت، فيقول له: إنها في مكان كذا. يتكلم الشيطان على لسانه، فمثل هذا -أيضا- يعتبر كاهنا، والكهنة طواغيت يجب الكفر بهم. وكذلك أيضا الذين يغيرون شرع الله، ويقدمون نحاتة الأفكار وزبالة الأذهان على شرع الله وعلى حكم الله وحكم ورسوله، وهم الذين يحكمون القوانين الوضعية، ويبطلون شرع الله -تعالى- لا شك -أيضا- أنهم في حكم الطواغيت؛ لأنهم طعنوا في حكم ربهم، وانتقدوا الشرع، واعترضوا على الأدلة، وادعوا أنها لا تناسب الحال، وادعوا أن ما يختارونه من الاختيارات التي ترتسم في أذهانهم؛ أنها أفضل من الحكم الشرعي؛ فيكونون بذلك قد غيروا شرع الله، وقد حكموا بغير ما أنزل الله. لا شك أن هذا يعتبر تدخلا في الشرع؛ فيكون الذين يختارون ذلك من جملة الطواغيت. ويدخل -أيضا- في الطواغيت: سادة الصوفية: الذين يرتفعون في نظرهم عن حد التكليف، ويدعون أنهم: سقطت عنهم الشرائع، وأبيح لهم فعل ما يريدون، أو يدعون أنهم يطلعون على الأمور الغيبية، وأن نفوسهم أو قلوبهم تصعد وتتصل بالملأ الأعلى، وتأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك، يأخذ الملك الوحي من اللوح المحفوظ، فيدعون أنهم يعلمون ما في اللوح المحفوظ. هؤلاء -بلا شك- طواغيت؛ وذلك لأنهم رفعوا أنفسهم عن طورهم وعن حدهم الذي هو حدهم؛ وهو كونهم مخلوقين من بني آدم فلا جرم مَنْ وَصَلَ إلى هذه الرتبة دخل في اسم الطاغوت. وقد يكون ذلك بفعل غيرهم.. باعتقاد العامة فيهم، فإن الذين يعتقدون في الجيلاني يقولون فيه شيئا ينكره، كما حكي أن أحدهم جاء إلى عبد القادر الجيلاني فقال: إني دعوتك وأنا في البرية، دعوتك لتنقذني وتنجيني وأنا في مهلكة، وإنك أتيتني وأنا في تلك البرية، وأنك حملتني؛ حتى أوصلتني إلى البلد. فقال عبد القادر كذبت.. ما أتيتك؛ وإنما الذي أتاك شيطان تمثل بي، أو جني من مردة الجن تمثل بي، فضل بي، لما أنك أشركت، ودعوت من دون الله من لا ينفعك، ولا يضرك.. أوهمك بأنك على صواب؛ فجاء، وأنقذك، وقال: أنا عبد القادر . لا شك أن هؤلاء رفعوه، وهو ما رفع نفسه، المعروف عن عبد القادر أنه عالم من علماء الأمة؛ ولكن كان من المتصوفة -يعني- غلب عليه وصف التصوف والسلوك، فلما غلب عليه -عند ذلك- لا بد أنه يقع فيه شيء من علم السلوك الذي يتعبد به أهل التصوف؛ فعند ذلك.. غلا فيه العامة في زمانه، وبعد زمانه، وغيره كثير. فكل هؤلاء داخلون في اسم الطاغوت. فنقول: اكفروا بالطواغيت، وعادوهم -يعني- ابتعدوا عنهم؛ سواء كانوا أحياء أو أمواتا. فالأموات: هم المقبورون، الذين يعبدهم جهلة الناس؛ فإنهم في الحقيقة.. طواغيت؛ ولو كانوا أمواتا. والأحياء: دعاتهم، الدعاة إلى كل كفر، والدعاة إلى البدع، وإلى المعاصي، وإلى الخروج من الإسلام، هؤلاء الدعاة لا شك -أيضا- أنهم طواغيت؛ لأنهم يدعون إلى ما دعت إليه الشياطين، وإلى ما دعا إليه رؤساء المشركين، يخالفون دعوة الرسل والأنبياء، ودعوة أتباعهم. فعلينا أن نعاديهم، نتخذهم أعداء، وعلينا أن نبغضهم -يعني- بغضا دينيا. كل من يدعو إلى ما يدعو إليه المشركون، يدعو إلى الشرك، وإلى البدع، وإلى المعاصي والمحرمات وكبائر الذنوب أو صغائرها؛ فإن علينا أن نحذر منه، وأن نقاطعه، ونبغضه بغضا شديدا. وعلامة البغض: مقاطعتهم، والابتعاد عنهم، والحذر من التشبه بهم. من كان كذلك.. فقد صدق في أنه يبغضهم. أما إذا قال: إني أبغض المشركين، والنصارى، والمبتدعة؛ وهو مع ذلك يجالسهم، ويؤانسهم، ويمازحهم، ويخالطهم، ويعاملهم؛ فإنه ما صدق في هذه الدعوة. لا بد أنه يعاديهم ويقاطعهم، هذه علامة المحبة الصادقة، وعلامة البغضاء الصادقة؛ فإن من أحب شيئا فإنه يلازمه، وملازمته لهم.. دليل على أنه يحبهم محبة صادقة، وبعده عن أهل الخير.. دليل على أنه يبغضهم بغضا صادقا. ولا شك أن المحب للشيء لا بد أنه يقرب منه، وأنه يتشبه به؛ فالذين يقربون من هؤلاء الطواغيت ودعاة الضلال، ويتشبهون بهم، وكذلك يجالسون أتباعهم أولياءهم، هؤلاء -لا شك- يحبونهم، ما أبغضوهم؛ لو كانوا يبغضونهم لابتعدوا عنهم وقاطعوهم. يقول: "وكذلك أبغضوا من أحبهم" يعني: من كان يحبهم فإنه منهم؛ فإن من أحب إنسانا فإنه يجالسه، ويؤانسه، فإذا أحب الكفار جالسهم وآنسهم، وواساهم، ونافح وكافح عنهم، ويكون دليلا على أنه منهم، أو أنه يفضلهم؛ فعلينا أن نبغضه. كل من يحب الكفار، والطواغيت، والمشركين علينا أن نبغضه، ونمقته، ونحذر الانخداع به؛ ولو ادعى أنه يحبنا، فإن هذه الدعوى دعوى كاذبة؛ لأن من أحب الخير أبغض الشر، ومن أحب الأخيار أبغض أعداءهم، وأبغض من خالفهم. كذلك الذين يجادلون بالباطل عن أعداء الله. ماذا يقصدون؟ يجادلون عن المشركين، يجادلون عن النصارى، ويجادلون عن القبوريين، ويجادلون عن الوثنيين، ويقولون: هؤلاء موحدون، وهؤلاء مسلمون، يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله. كيف تكفرونهم؟ وكيف تضللونهم؟ وكيف تحذرون منهم وهم إخوانكم ما خرجوا عن الدين؟ أليس هؤلاء يجادلون بالباطل؟. علينا أن نبغض من جادل بالباطل، ومن نصر الباطل، ومن نصر الكفر أو أهل الكفر، أن نبغض من جادل عنهم، ومن تحامى لهم؛ لأن مجادلته دليل على أنه يقرهم. فلا بد أننا نبتعد عن هؤلاء كلهم، ونتبرأ منهم، والواجب أن نكفّرهم؛ عبدة غير الله الذين يعبدون الطواغيت، يعبدون القبور والأموات، يتبركون بهم، ويتشبهون بهم. لا شك أنهم جميعا داخلون فيمن يجادل بالباطل، غالبا أنهم لما كانوا يعتقدون حقية ذلك الباطل الذي هم عليه، وكانوا يجادلون عنه، وينافحون، ويكافحون، صدق عليهم أنهم من أهل الباطل، وأنهم من أهل الضلال؛ فكانوا بذلك مناصرين لأهل الباطل، فكل من جادل عنهم فإنه منهم، فواجب أن نجادل بالحق، ونرد على المبطلين، ونبغض الذين يجادلون بالباطل، واجب علينا أن نكفر المشركين، وأن نتبرأ منهم، وأن نرد على من لم يكفرهم، يخشى أن من لم يكفرهم أنه منهم. |