بسم الله الرحمن الرحيم قال المؤلف -رحمه الله- فقد ذكر الله عن الكفار: أنهم إذا مسهم الضر تركوا السادة، والمشايخ، فلم يدعوا أحدا منهم، ولم يستغيثوا به؛ بل يخلصون لله وحده لا شريك له، ويستغيثون به وحده، فإذا جاء الرخاء أشركوا. وأنت ترى المشركين من أهل زماننا -ولعل بعضهم يدعي أنه من أهل العلم، وفيه زهد واجتهاد وعبادة- إذا مسه الضر قام يستغيث بغير الله مثل: معروف أو عبد القادر الجيلاني وأجل من هؤلاء مثل: زيد بن الخطاب و الزبير وأجل من هؤلاء مثل: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فالله المستعان. وأعظم من ذلك وأطم: أنهم يستغيثون بالطواغيت، والكفرة، والمردة مثل: شمسان و إدريس ويقال له: الأشقر ، و يوسف وأمثالهم. والله -سبحانه وتعالى- أعلم. الحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على خير خلقه: محمدا وعلى آله، وصحبه أجمعين. آمين. السلام عليكم ورحمة الله،، بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله، وصحبه أجمعين. ختم المؤلف هذه الرسالة بآية كريمة، ذكرها الله -تعالى- في كتابه، أو عدة آيات، تدل على أن المشركين الأولين يخلصون لله -تعالى- في الشدة وفي الأزمات، ويشركون إذا كانوا في الرخاء. أما شرك المشركين في زماننا فإن شركهم بائن؛ فهم أعظم من كفر الأولين الذين قاتلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- والأدلة على ذلك كثيرة، منها: قول الله -تعالى- في سورة يونس { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } . فهذا دليل على أنهم إذا اشتدت بهم الأزمات ينسون آلهتهم ومعبوداتهم، ويعرفون أنه لا ينجيهم من هذه الأزمات والشدائد إلا الإخلاص لله -تعالى- وكذلك قول الله تعالى: { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } { فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } هكذا أخبر بأنهم يدعونه تضرعا وخفية، وأنهم يتعهدون { لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } وأنهم إذا أنجاهم بغوا وأشركوا. وكذلك قال تعالى: { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } الأمواج: هي التي تكون في وسط البحر، عندما أن تهب الرياح الشديدة، ثم يكون هناك أمواج في البحر تضطرب منها السفن، { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } وهكذا قول الله تعالى في سورة الإسراء هذه الآية: { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ } يعني: ذهب عنكم { مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ } إلا الله { فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ } أشركتم { وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ } الله قادر كما أنه يقدر على أن يغرقكم، فهو يقدر على أن يخسف بكم جانب البر، { أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } أي: ريح حاصبة تحصبكم وتميتكم، قادر { أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } { أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ } في البحر مرة ثانية { تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ } فيهددهم، كيف أنكم في البحر وفي الشدائد تخلصون، وتعرفون أنه لا ينجيكم إلا الله، وتتركون آلهتكم، ولا تدعونها؛ بل تخلصون الدعاء لله وحده، ثم إذا نجوتم رجعتم إلى الشرك؟! هذا هو الغرور، الذي أنجاكم في الشدائد يستحق أن تعبدوه في الرخاء، أما كونكم تعبدونه في الشدة، وتخلصون له، وتنسون ما تشركون، تنسون آلهتكم، ثم إذا نجاكم وأنجاكم من هذه الشدائد عند ذلك تشركون. فهذا هو شرك الأولين؛ أنهم يشركون في الرخاء، في الرخاء يعبدون الله ويعبدون معه غيره، وأما في الشدائد والأزمات فلا يعبدون إلا الله؛ بل يخلصون العبادة لله وحده. ثم يقول: ذكر الله عن الكفار أنهم إذا مسهم الضر في البحر ونحوه.. تركوا السادة، والمشائخ، والمعبودات، وضل من تدعون إلا إياه، ونسيتم آلهتكم، وعرفتم أنه لا ينجيكم إلا الله وحده، فلا يدعون معه غيره، لا يدعون أحدا منهم في الشدائد، ولا يستغيثون بهم؛ بل يخلصون لله وحده لا شريك له، يستغيثون به وحده، فإذا جاء الرخاء أشركوا. ذكروا: أنه لما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة سنة ثمان، وفتحت مكة هرب كثير من الذي ما قنعوا بالإسلام، وكان منهم: عكرمة بن أبي جهل ؛ فركب سفينة متوجها إلى اليمن لينجوا من المسلمين، ذهبوا وفي لجة البحر تلاطمت الأمواج، فقال الملاح: أخلصوا، لا ينفعكم إلا الإخلاص، ادعوا ربكم فهو الذي ينجيكم، لا ينجيكم من هذه الشدة إلا أن تخلصوا لله، وأن تدعوه وحده. فتذكر عكرمة ومن معه، وقالوا: إذا كان هو الذي ينجينا في الأزمات، وفي هذه الشدة؛ فإنه هو الذي يستحق أن نعبده في الرخاء. فلماذا ندعوه، ونخلص له في هذا الوقت؟! أليس محمد يدعونا إلى أن نخلص له الدعاء دائما في الرخاء والشدة؟ فعند ذلك رجع، ولما رجع إلى مكة بايع النبي -صلى الله عليه وسلم-. دلل هذا على أنهم في الأزمات والشدائد ينسون آلهتهم { وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } وينسون شركهم { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا } يعني: شركهم كفر. وهذه حالتهم. |