............................................................................... إذا تأمل العاقل ما ترشد إليه هذه الآثار فإنه يعرف أن مدارها حث الإنسان على أن يعمل عقله فيما بين يديه وفيما خلفه وفي الأمور التي قبله والتي بعده، ولا يكون كالإمعة الذي لا يقول شيئا، وإنما يقلد غيره ويتبع غيره. وذلك لأن الله سبحانه أعطى الإنسان خاصة هذا العقل الذي به يحصل الإدراك، وسلب هذا العقل من الدواب والبهائم والحشرات والوحوش والطيور وما أشبهها، فأمر الإنسان بأن ينظر بعقله، فإنَّ نظره بعقله أقوى من نظره ببصره؛ ولذلك قال تعالى: { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } . فالذي يفقد حاسة البصر، ويرزقه الله عقلا ذكيا عقلا مفكرا، لا شك أنه يتعقل هذا الكون ويعرف كمال قدرة من أوجده، ويأخذ عبرة من كل شيء حتى من أقرب شيء إليه وهي نفسه، فيأخذ منها عظة وعبرة على عظمة من أوجد هذا الكون وبيان أنه سبحانه هو الإله الحق المستحق لأنْ يعبد ويوحد، فأما من لم ينتفع بهذا العقل فإنه أقل حالا من الدواب من البهائم. قال الله تعالى: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ } يعني قدرنا أهلها { كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا } بدأ بالقلوب، وذلك لأنها التي يتميز بها الإنسان { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا } . معلوم أنهم يسمعون عادة ويبصرون، ولكن لم ينفعهم بصرهم ولا تفكيرهم ولا سمعهم؛ لأنهم جعلوا تفكيرهم في أمورهم الدنية، وفي معيشتهم وفي مكاسبهم، وما أشبه ذلك، وجعلوا هذا هو الذي فيه نظرهم وهو الذي فيه تفكيرهم، ولم يفكروا فيما أمروا بأن يتفكروا فيه من هذه المخلوقات العلوية والسفلية؛ فلأجل ذلك حرموا منفعة هذه الحواس فكانوا أقل حالة من البهائم؛ ولذلك قال: { أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } ويقول تعالى في آية أخرى: { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } بئست الحال أن يشبه الإنسان بالبهائم؛ بالأنعام السارحة التي لا عقل لها ولا تفكير ولا نظر إلا ما تتغذى به فقط. |