............................................................................... وهكذا أيضا إذا تفكر الإنسان في أمر من ما مضى من الأمم أمر الأمم التي قد مضت وسيرها وأحوالها. لقد قص الله تعالى علينا قصصا كثيرة من الأمم والأنبياء، وما حصل لهم وكيف نجا من نجا وهلك من هلك، وكيف قالوا وكيف فعلوا، ومع ذلك ما بقي منهم إلا أخبار وآثار. مثل ما قص الله علينا من قصة قوم عاد قوم هود ذكر الله عنهم أنهم أهل قوة وأهل جبروت حتى أنهم قالوا: { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } في نظرهم أنه لا أحد أشد قوة منهم، وكذلك يقول الله عنهم: { وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } ويقول تعالى عن بلادهم: { إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ } وكذلك أيضا أخبر بزيادة خلقهم بقوله: { وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً } أي: سعة في أجسامهم، وزيادة على غيرهم. لا شك أن هذا لم يغن عنهم لما أنهم لم ينيبوا إلى الله، ولم يعبدوه، ولم يطيعوا رسله بل صار ذلك زيادة في عذابهم، ومع ذلك ما تذكروا، ما تذكروا عظمة الخالق في قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } مع أنه لا مناسبة بين قوتهم، وقوة الخالق الذي إذا قضى أمرا فإنه { إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } ولهذا عذبهم بأيسر عذاب؛ أرسل عليهم الريح، الريح التي جند من جند الله تعالى. هذا الهواء الذي إذا سلطه الله قلع الأشجار، وهدم الدور، وأهلك النبات إذا أرسله ريحا شديدة عاصفة، فهذا ما أهلكوا به، ولم تغن عنهم قوتهم، ولا جبروتهم { وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } . |