............................................................................... إذا عرفوا عظمة الله، وأنه جلال وجهه لو انكشف ذلك نور لاحترقت المخلوقات العلوية والسفلية؛ دل ذلك على عظمة الخالق، وأنه لا يقاس بخلقه ولا يمكن أن يثبت لعظمته شيء. كذلك أيضا إذا استحضروا أن المخلوقات حقيرة بالنسبة إلى عظمته وأنه هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا وأنه يمسك المخلوقات أن تضطرب أو تتحرك أو تميد كما في قوله تعالى: { أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } عرف بذلك عظمة الله. ونتيجة ذلك؛ نتيجة هذه المعرفة التعظيم وهو أن من يعظِّم الله يعظُم قدر ربه في قلبه، وكذلك يعظم الله تعالى فيعظم شأنه أن يقاس بأحد من مخلوقاته، أو يصرف من حقه شيء لخلقه، ويعظم الله تعالى أن يُحتقر يحتقره العباد أو يجعلوا له شريكا من المخلوقات أو ما أشبه ذلك، وهكذا أيضا يعظمون الرب بأن يصرفوا له العبادة وحده ويتركوا عبادة ما سواه، فلا يصرفون شيئا من العبادة لغيره. إذا استحضروا أنه أعظم من كل شيء، ولأجل ذلك يؤمرون بأن يكثروا من ذكر الله الذي يدل على عظمته كما في قوله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الركوع والسجود قال: { فأما الركوع فعظموا فيه الرب } أي: أثنوا على الله تعالى في الركوع بما يدل على إثبات العظمة مثل قوله: سبحان ربي العظيم. أي الذي له العظمة وحده، وقد أمر الله بذلك في قوله تعالى: { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } أي: سبحه بقولك: سبحان ربي العظيم. فتعظيم الله تعالى سواء استحضار عظمته بالقلب وإن لم ينطق، أو النطق بأن يذكر الله تعالى بالألفاظ التي تدل على العظمة والثناء عليه بالأسماء والصفات التي تدل على عظمته وجلاله وكبريائه؛ لذلك نتيجة وهي أن يعظم قدر ربه في قلبه وأن تصغر الدنيا، ويصغر أهلها بالنسبة إلى عظمة الله، وألا يبقى في قلب الإنسان ما يعظَّم كتعظيم الله تعالى ولا ما يصرف له شيء من حق الله سبحانه وتعالى، فهذا هو نتيجة هذا التعظيم من هذه الآثار وما أشبهها، وكذلك من الآثار والأحاديث التي سبقت في هذا الكتاب وفي غيره. والآن نستمع إلى كلام المؤلف. |